علِموني جيداً حتى أتخلص من الفقر: تعلّم اللغة العربية سبيل لتحسين مستقبل الأطفال

سأروي لكم قصة صغيرة لطفلة اسمها “ليلى”، عمرها 10 سنوات وتعيش في أحد البلدان النامية بالشرق الأوسط، ويتأرجح مستوى دخل عائلتها بين المتوسط والمنخفض.

على الرغم من السنوات التي قضتها ليلى في المدرسة، إلا أنها لا تستطيع عندما تفتح قصص الأطفال، أن تفهم كل النص المكتوب والجُمل التي تصف شخصيات عالم الحكايات، والمكتوبة بطريقة تتناسب مع عُمرِ ليلى ومستوى فهمها.

قد يتبادر إلى أذهانكم بأن “ليلى” لديها مشكلة صحية ما تمنعها من فهم النص المكتوب أمامها، لكن في الحقيقة هي ليست كذلك، إذاً لماذا؟

لأن ليلى تعاني من الفقر، وليس المقصود هنا بالفقر المادي، بل “فقر التعلم”، وإذا كنتم قد قرأتم هذا المفهوم لأول مرة وشعرتم بأنه غير مألوف فلستم وحدكم، لأن عمره عامان فقط، وطرحه “البنك الدولي” في العام 2019.

باختصار يشير مفهوم “فقر التعلم” إلى الأطفال الذين بلغوا 10 سنوات وإذا عرَضت عليهم نصاً مكتوباً بطريقة تُناسب عمرهم وفهمهم، فإنهم غير قادرين على فهم ما يتحدث عنه النص، على الرغم من أنه مضى على دخولهم المدارس سنوات عدة.

ربما تتساءلون الآن ما المشكلة في أن يكون لدينا طفل أو طفلة عمرهما 10 سنوات ولا يستطيعان فهم نص قرأه باللغة العربية، وقد يقول آخر إن لم يكن الأطفال قادرين على قراءة النص في هذا العمر سيكونون قادرين على ذلك في السنوات المقبلة.

في الحقيقة فإن الأمور ليست بهذه البساطة، ذلك أن “فقر التعلّم” مؤشر على بداية تحديات ستواجه الطفل أو الطفلة لسنوات من حياتهم، ستؤثر على مستقبلهم، وعلى مستقبل بلادهم ونموها أيضاً.

الأرقام التي يتحدث عنها “البنك الدولي” حول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تثير القلق، إذ أن 59 % من الأطفال في هاتين المنطقتين يعانون من “فقر التعلّم”، وترتفع النسبة لتصل إلى 63 % في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

هذه الأرقام تخبرنا بأن عدم قدرة الأطفال على القراءة وفهم ما هو مكتوب في سن العاشرة، سيؤدي إلى قصور في التعلّم، وسيعيق تقدّم بلدانهم في تكوين “الرأس المال البشري”.

بعبارة أخرى فإن تقليل نسب “فقر التعلم” من خلال تحسين تعلّم اللغة العربية، من شأنه أن يتسبب في تقليل الفقر المادي الذي تعاني منه بلدان منطقتنا.  

دعونا هنا نتحدث عما هو المقصود بـ”رأس المال البشري”، ولنتفق أولاً على أن هذا المصطلح يختلف عن “رأس المال” الذي كثيراً ما نسمعه في حياتنا والمرتبط بأعمال التجارة.

حتى تكون الفكرة أوضح، تخيلوا أنكم تشاهدون الآن عائلة مؤلفة من أب وأم وطفل، هذا الطفل ومن خلال الخدمات والرعاية التي تقدمها حكومة بلده، ومن خلال العناية التي يتلقاها من والديه، يكتسب مجموعة من المعارف والمهارات وقدرات صحية كافية.

على مدار السنين ستتراكم جميع هذه الأمور لدى الطفل، وفي سنوات عمره اللاحقة سيكون قادراً على استغلال إمكانياته ويتحول إلى فرد منتج في مجتمعه.

هذه العملية هي استثمار في البشر وقدراتهم، وكلما كان الاستثمار مقترناً بتعليم جيد، وتغذية جيدة، ورعاية صحية مناسبة، فإنه سيساهم بتنمية “رأس المال البشري” الذي يعد أمراً أساسياً لإنهاء الفقر المدقع.

في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تُظهر مؤشرات “رأس المال البشري” أن الطفل المولود في هاتين المنطقتين، لن يحقق أكثر من 57 % من قدرته الإنتاجية، أي أن أننا أمام خسارة بنسبة 43 من قدرته الإنتاجية، لأنه لم يتمتع بقدر جيد من التعليم والصحة.

لماذا لدينا أصلا مشكلات بتعلّم اللغة العربية؟

يتحدث اللغة العربية أكثر من 467 مليون شخص في 60 بلداً حول العالم، ومع ارتفاع نسب صغار السن بين السكان، وارتفاع معدلات “فقر التعلم” في البلدان العربية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإننا أمام ملايين الأطفال الذين لا يحصلون على دعم كافٍ بتعلّم القراءة، فلماذا نواجه هذه المشكلة الكبيرة؟

الممارسات الخاطئة التي تفعلها بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تنمية المهارات اللغوية للأطفال والمساعدة على فهمها، تُعد سبباً رئيسياً للمشكلات، فهي تؤثر سلباً على الأطفال من بداية تعلمهم وحتى وطوال مسيرتهم التعليمية كبالغين.

هنالك أسباب مرتبطة أيضاً بتدني جودة التعليم، وسوء تصميم المناهج التي يدرسونها، والأهم عدم فعالية أساليب التدريس، التي غالباً ما تكون جامدة، كإغراق الأطفال في قواعد النحو العربية، والصرف، وفي ظل غياب روح المرح التي عادة ما تساعد على تعلّم القراءة والكتابة بطريقة سلسة.

في تقرير صدر عن وزارة الثقافة والشباب بالإمارات عام 2020، قال طلاب إنهم يحبون اللغة العربية، لكنهم لا يحبون طريقة تدريسها، لا سيما وأن اللغة الفصحى لا تُكتسب عادة من المنازل، بل غالباً من التعليم الرسمي.

لكن هل كل الأسباب متعلقة بمؤسسات التعليم؟، بالتأكيد لا، فهنالك مسؤولية تقع على عاتق عائلات الأطفال، كمدى اهتمامهم في تنمية مهارات القراءة والكتابة لأطفالهم.

فعلى سبيل المثال، فإن نسبة 80 % من الآباء والأمهات في بلدان مثل أستراليا، وهولندا، ونيوزيلندا، يواظبون على القراءة لأطفالهم بهدف تنمية مهارات القراءة والكتابة، لكن في بلدان المنطقة لا تصل هذه النسبة إلى أكثر من 25 بالمئة.

 ما الحل إذاً؟

يشير تقرير “البنك الدولي” إلى أن النهوض بتعليم اللغة العربية يمثل أحد المسارات للتخلص من “فقر التعلّم” وبالتالي زيادة رأس المال البشري، الذي يساهم في النهاية بتقليل نسب الفقر المادي.

لكن كيف الطريق إلى ذلك؟ الشيء الذي يدعو للتفاؤل أن هنالك خطوات مدروسة حددها البنك الدولي والتي إذا ما تم اتخاذها في الحسبان فمن شأنها النهوض بتعلّم اللغة العربية بما يدعم الاستثمار في “رأس المال البشري”.

– في البداية، يحتاج الأطفال الذين يتعثرون في المراحل الأولى من تعلّم اللغة العربية إلى التدخل مبكراً، ودعمهم للمساعدة على القراءة والفهم، مثل توفير دروس تقوية فردية.

– سيكون مفيداً وضع المؤسسات التعليمية أهدافاً يسهل التأكد من تحقيقها وتتعلق بنتائج تعلّم اللغة العربية على الأمدين القصير والطويل.

– يحتاج الأطفال إلى دعمهم في فهم اللغة الفصحى، من خلال التركيز على المفردات المشتركة بين الفصحى واللهجات العامية الدارجة بالبلدان العربية، وهذا سيمكنهم من الانتقال للعامية إلى الفصحى بسلاسة.

– تشجيع عائلات الأطفال على زيادة معرفة أطفالهم باللغة الفصحى، على سبيل المثال أن يحرص الآباء والأمهات على قراءة القصص القصيرة لأطفالهم.

– إعادة النظر في برامج إعداد معلمي اللغة العربية وأساليبهم في التعليم على أن تكون مسلية ومحببة للأطفال، وهذا سيكون أحد مفاتيح الحلول.

أخيراً، تخبرنا لغة الأرقام، بأن هذا الجيل من الطلاب مُعرض لفقدان نحو 10 تريليونات دولار من دخلهم المستقبلي بسبب “فقر التعلم”، وهو مبلغ يساوي نحو 10 بالمئة من الناتج المحلي العالمي.