“خياطة المخيم”.. الطفلة التي تحتمي بخيوطها البيضاء من قسوة الحياة

في أرض مليئة بالوحل، تمسك هبة بكرَةً من الخيط الأبيض الملفوف، للوهلة الأولى تشعر بأنها تُجهز نفسها لصنع طائرة ورقية تريد الركض وهي تمسك بها في المخيم، وأنها ستغرق في الضحك والسعادة، لكن في الحقيقة هذه الخيوط بمثابة “درع” نجاة بالنسبة لهبة. 

 

الطفلة التي تبلغ من العمر 12 عاما، تعيش في أحد مخيمات الشمال السوري، بعدما ألقت موجات النزوح بها وعائلتها في خيمة كثيرة الاهتراء، ضعيفة ولا تصمد أمام هبات الريح الخفيفة، لا تجد فيها الدفء، ولا تشعر فيها بالسلام.

للخيوط كثير من المعاني والقصص مع الطفلة هبة، فإذا ما أريتها خيطاً ستبدأ ذاكرتها في عرض العديد من المشاهد داخل دماغها، ولسان حال هبة يقول “ليتني لم أعش تلك اللحظات التي رسمت تلك المشاهد والتي لن تفارق ذاكرتي ما حييت”.

 

تستخدم هبة هذه الخيوط لتخيط بيديها الصغيرتين الباردتين خيمتها المتشققة، تحاول ما استطاعت منع البرد من التسلل عبر قطع القماش أو النايلون المنصوبة على الأعمدة، تقول بنبرة حزينة إنها كلما حاكت خيمتها تعود وتنشق مجدداً.

تُعلّم الخيوط هبة معنى الأمل، فعلى الرغم من معرفتها بأن ما خاطته ستمزقه الرياح مجدداً عندما تهب بلا هوادة، لكنها تأمل دائماً في أن تصمد خيطانها وألا يسوء حالها أكثر.

 

خيوط هبة تعني لها أيضاً بعضاً من الدفء، وشيئاً من توفير الخصوية لها ولعائلتها في خيمتها، لكن في ذات الوقت تعني كثيراً من التعب والشقاء.

خياطة المخيم

أصبحت هبة معروفة في المخيم بـ”الطفلة الخياطة”، فالخيام تعودت على أناملها، ولا يصعب عليها إغلاق أي شق في الخيام مهما كان كبيراً، فتكرار المعاناة علمها حرفة الخياطة، وإذا ما قسَت الخيمة عليها، تقسو هبة بخيطانها أيضاً وتأبى إلا أن تخرج منتصرة.

لا تتوانى هبة عن مساعدة جيرانها عندما يعانون اهتراء خيامهم خصوصا في فصل الشتاء، وتمضي من تلقاء نفسها لتحيك خيام أُناس يشاركونها لحظة بلحظة ويوماً بيوم حياة البؤس في المخيمات. 

 

هبة لا تخشى على نفسها وعلى أهلها وجيرانها فحسب من قسوة البرد، فحتى لعبتها الوحيدة التي تعتني بها في خيمتها تصنع لها الملابس والوسائد.

يتشابه حال هبة مع حال أكثر من 1.6 مليون شخص يعيشون في الشمال السوري، ضمن نحو 1300 مخيم، المئات منها عشوائية وتفتقر لأدنى مقومات الحياة، وفقاً لإحصائية صادرة عن الأمم المتحدة. 

 

في كل شتاء يعيش سكان المخيمات مشهداً متكرراً من المعاناة، جراء غمر مياه الأمطار لخيامهم، أو تغطيتها بالثلوج. 

 

ليس ذلك فحسب، فالخيام في حد ذاتها مصدر خطر على قاطنيها بسبب أساليب التدفئة غير الآمنة المُتسخدمة فيها، والتي تزيد من خطر الإصابة بأمراض تنفسية ومضاعفات بسبب تنشق الدخان، بحسب منظمة “أطباء بلا حدود”.

 

تأمل هبة وأمثالها من أطفال المخيمات بألا تكون يوماً، واحدة من بين أرقام النازحين الذي يُعلن سنوياً عن وفاتهم في خيامهم، إما بسبب البرد، أو الحرائق التي تندلع بسبب وسائل التدفئة.

خياطة المخيم