في منزل أم يمنية وطفلتها: القصف الذي لم يقتل طفلتي أصابها بالمرض!

سكينة محمد/ تعز

وصلت الحرب في اليمن إلى أبعد مما نتخيله وأثّرت في الأطفال بدرجة رئيسة والفئات الضعيفة، كما سنلاحظ في قصة الطفله هيفاء (9 سنوات)، من محافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، والتي أصيبت بمرض الصرع، تقول والدتها إن القصف وراء ما آلت إليه حال هذه الطفل.

 خصوصًا في السنوات الأولى من الحرب الدائرة في اليمن منذ العام 2015، إلى جانب القذائف التي تسقط على الأحياء السكنية في مدينة تعز من وقت لآخر من قبل القوات العسكرية التابعة لأنصار الله (الحوثيين). 

تقول ندى والدة هيفاء لـ”خيوط”، إصابة ابنتي بالصرع أدخلتني في دوامة من حزن طويل وقلق دائم وقلة حيلة وعدم قدرة على شراء الأدوية المكلفة الخاصة بعلاج هذا المرض.

الصرع هو اضطراب مزمن يصيب الدماغ، ويتميز بنوبات متكررة، هي عبارة عن نوبات وجيزة من الحركة اللاإرادية التي قد تخص جزءًا من الجسم (جزئية) أو الجسم كله (عامة)، ويصاحبها أحيانًا فقدان الوعي والتحكم في وظائف الأمعاء أو المثانة.

معاناة أسرة هيفاء، التي تكشّف عنها حالها البائس، تفاقمت بعد إصابة أكبر أولادهم “هيفاء” بـ”الصرع”. كان عمر هيفاء وهي تسمع كل ذلك القصف والقذائف، لا يتعدى ثلاث سنوات عندما كانوا يسكنون في مدينة تعز قبل الانتقال إلى منطقة ريفية للعيش فيها بعد أن تقطعت بهم السبل نتيجة لانقطاع راتب والد هيفاء، ومن ثم إصابته بالجنون.

حسب والدة هيفاء، فقد كانت تفقد وعيها لساعات طويلة تقضيها الأم والإخوة الصغار في حالة رعب وفزع لا يمكن تصوره على الإطلاق.

تقول ندى التي لم تستسلم لتبعات الحرب التي لحقت بأسرتها: “كنت بدأت ترتيب حياتنا، وألحقت هيفاء ويونس بالمدرسة، وتبقى موسى وأنهار”، لكن مرض هيفاء وعلاجها أصابها بالإنهاك، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الأدوية الخاصة بهذا المرض.

·      يعتقد المدير الفني لمركز علاج مرضى الصرع في تعز، أن آثار الحرب لا تعتبر سببًا رئيسيًّا لإصابة هيفاء بـ”الصرع” أو الشُحنة في الدماغ، إن لم تكن هناك إصابة مباشرة في الرأس، مضيفًا أن هذه الأحداث قد تكون سببًا لتفاقم الحالة أو تدهورها

وتُرجع سبب مرض ابنتها للقصف الذي بدأ مع بداية الحرب في مدينة تعز؛ تقول ندى: “كانت بنتي صغيرة وكانت أصوات القصف تفزعها وترعبها، لدرجة أنها كانت أحيانًا تغيب عن الوعي، وبسبب الظروف المادية، لم أستطع أخذها لطبيب وقتها”، “مرض بنتي هدّ حيلي، حِسِّي دائمًا عندها”،

تضيف والدة هيفاء قبل ستة أشهر من الآن كنت أفقدها، فأبحث عنها لأجدها مغمى عليها في إحدى أركان الغرفة الوحيدة التي نسكنها، وزادت ساعات الإغماء من خمس إلى ست ساعات في اليوم أحيانًا، وقد تقل بالنادر؛ فعرضتها على طبيب في المنطقة فشخص حالتها على الفور بصرع وشحنات دماغية وحذرني ونصحني بسرعة مراجعة طبيب مختص باعتبار الحالة لا تزال في بدايتها، وأضافت: “أصبحت الآن أخاف الغياب عن البيت لوقت طويل، وأراقبها طيلة اليوم”. 

تضيف هذه المرأة، أن زيارة طبيب تحتاج للكثير من الأموال والسفر إلى مدينة تعز المحاصرة من أطرافها الشرقية والجنوبية الشرقية من قبل القوات التابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين)، أو إلى محافظة إب المجاورة لتعز من الجهة الشمالية (على بعد 30 كيلومترًا تقريبًا) أو العاصمة صنعاء، والمشكلة أنها انتقلت للعيش في منطقة شرعب السلام الريفية (شمال شرقي مدينة تعز)، وهي منطقة نائية ولا يتوفر فيها مركز للأمراض العصبية.

مع انطلاق الحرب في اليمن مارس/ آذار من العام 2015، كانت أسرة هيفاء تقطن في مدينة تعز، ظلت لأشهر تعرضت فيها المدينة كغيرها من المحافظات اليمنية للاشتباكات العسكرية بين طرفي الحرب الحكومة المعترف بها دوليًّا وأنصار الله (الحوثيين)، والقصف المتواصل من قبل الطائرات الحربية التابعة للتحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات والمساند للحكومة المعترف بها دوليًّا.

تصف والدة هيفاء حالتها عند سماعها لأصوات القصف والانفجارات: “تضع يديها على أذنها وتصيح (بوم بوم)”. تبتسم بغصة وحرقة وهي تتحدث في هذا الخصوص. 

في السياق، يعتقد الدكتور عادل مُلهي المدير الفني لمركز علاج مرضى الصرع في تعز لـ”خيوط”، أن آثار الحرب لا تعتبر سببًا رئيسيًّا لإصابة هيفاء بـ”الصرع” أو الشُحنة في الدماغ، إن لم تكن هناك إصابة مباشرة في الرأس، مضيفًا أن هذه الأحداث قد تكون سببًا لتفاقم الحالة أو تدهورها. 

من جانبه، يرى الدكتور فؤاد محمد سعيد أخصائي أطفال، في حديثه لـ”خيوط”، أن الحرب تسببت بآثار كارثية على الأطفال، ولكن بالنسبة للصرع فلا بد من إصابة مباشرة للدماغ. 

زارت هيفاء وأمها أحد الشيوخ (من الذين يعالجون بما يسمى الرقية) في المنطقة التي انتقلت للعيش فيها، فقرأ على الطفلة (بعض الآيات القرآنية) وأقنعها أن المرض ليس سوى “مسّ شيطاني”، واستمرت بزيارته لشهرين بلا فائدة؛ فقررت تركه والعودة مرة أخرى إلى الأطباء. 

بحسب الدكتور ملهي، فإن “الصرع” بحاجة لعلاج دائم، وإذا لم يعالج بفعالية فسيؤدي إلى أذى وضمور في الدماغ وازدياد النوبات والسقوط المتكرر والذي قد يصل بالشخص المصاب بهذا المرض إلى إعاقات خطيرة وأحيانًا قد يؤدي السقوط للوفاة، في حال فقد المريض وعيه في أماكن خطِرة.

ويرجع المدير الفني لمركز علاج مرضى الصرع في تعز سبب ارتفاع أسعار أدوية “الصرع” إلى انعدام الدعم الحكومي وغياب الدعم من جهات بديلة. 

تقول ندى والدة هيفاء: “لو كان أبوها موجودًا كنا سنعالجها وسنعرضها على طبيب؛ لكني حاليًّا لا أستطيع شراء أدوية الصرع فكلفتها غالية وأسعارها ترتفع باستمرار”. إضافة إلى أن المصابين بهذا المرض يحتاجون لنظام غذائي صحي يحوي الكثير من الأطعمة المفيدة والغنية، وهذا ما لا تستطيع عليه الأم (ندى).

بدوره، يشير رئيس منظمة آفاق الإنسانية لرعاية أمراض العقل والنفس في حديث لـ”خيوط”، إلى محدودية المنظمات العاملة في اليمن بهذا المجال، إضافة إلى التهميش الذي يتعرض له المرضى النفسيين والعقليين برغم كثرتهم في اليمن وتناول وسائل الإعلام لقصصهم ومعاناتهم وتفاقم الوضع بالنسبة لمرضى الصرع من الأطفال. 

وهيفاء واحدة من هؤلاء الأطفال، ضحايا المرض والعوز والحاجة وما زاد حالتها صعوبة هي حال أسرتها التي تعيش النزوح والفقر، وتعتبر الأم هي المُعيل الوحيد للعائلة حيث تعمل في التحطيب بالقرية والخياطة لتوفير ما تيسر من الدخل الذي يعينهم على مواجهة حياتهم المعيشية الصعبة

التحقيق أنجزه موقع خيوط, وتم نشره في موقع Tiny Hand ضمن شراكة تعاون عقدها الموقعين

.