هنا “مصنع الأحلام”.. أطفال في مخيم بسوريا يُصرون على التعليم ولو بخيمة

تقرير: مراد القوتلي

تصوير: أسعد الأسعد

 

لا مكان هنا لكتابة أحرف اللغة العربية على السبورة، لا توجد جدران، ولا لوحات مرسوم عليها شمس ينعكس ظلها على مراجيح الأطفال، وحتى فترة قريبة لم يكن هنالك مقاعد، أما الأرض فهي عبارة عن بحص يؤلم الأقدام حينما يُداس عليه.

هذا المكان هو خيمة في مخيم السكري بريف إدلب شمال سوريا، لكنها أصبحت مدرسة، وهي موجودة في إحدى الحقول التي ما إن تهطل المطر حتى تنغمر الأقدام بالطين. 

كُتب على قماش الخيمة “مدرسة السكري”، لكنها بالتأكيد لا تشبه في شكلها أي مدرسة تعرفونها، فالأطفال فيها قضوا أكثر من عام ونصف وهم يجلسون على أرضها وهم يتلقون الدروس، حتى أصبحت ظهورهم تؤلمهم، وصار البحص يترك أثاره على أقدامهم. 

في الشتاء ينشغل الأطفال عن درسهم ويتركون أقلامهم قليلاً لكي ينفخوا الهواء في أياديهم لتدفئتها، وفي الصيف لا يمنع عنهم لهيب الشمس إلا قطعة قماش الخيمة المهترئة.

يدرس في هذه المدرسة قرابة مئة طفل وطفلة، يجلسون معاً في خيمة لا مكان فيها للحركة من كثرة الطلاب فيها، وعلى هؤلاء جميعاً أن ينظروا إلى لوح أبيض صغير الحجم يكتب عليه الأساتذة ويمحون مراراً وتكراراً. 

ضيق المساحة اضطر الأساتذة إلى كتابة الأحرف العربية الأبجدية على جدران الخيمة، بعض الأحرف بدأت تُمحى من مياه الأمطار.

لا يعرف هؤلاء الأطفال الشاعر الطغرائي الذي قال قبل 911 عاماً من الآن، “ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”، لكنهم في الحقيقة هذا ما يفعلوه في هذه المدرسة.

يقضي الأطفال ساعات من يومهم وهم يرسمون أحلامهم وآمالهم على دفاتر الرسم البسيطة، منهم من يأمل بأن يصبح أستاذاً، وآخر طبيباً، وثالث مهندساً، فهذه الخيمة أصبحت مصنع أحلام للأطفال المُتعبين في حياتهم.

 

ريم طفلة تبلغ من العمر 10 سنوات، تُصر على تلقيها التعليم حتى ولو كان في ظروف غير اعتيادية، فعلى الرغم من أنها تشكومدرسة السكري من افتقاد مدرستها لأدنى الاحتياجات اللازمة للتعليم، إلا أنها تشعر بالسعادة عندما تنسى لساعات عالمها القاسي، وهي تتعلم العربية والإنجليزية والرياضات. 

تقول مريم لـ Tiny Hand إنها تأمل عندما تكبر بأن تصبح مُعلمة، وأن توفر التعليم للأطفال الذين يعيشون حياةً صعبة مثلها.

بنبرة حزينة تحدثت الطفلة مريم عن معاناتها وأصدقائها الأطفال من البرد، لكنها أبدت إصراراً بأن ذلك لن يمنعها من مواصلة تعليمها.

ريم

تسببت الحرب في سوريا بتدمير نحو 40 % من البنية التحتية للمدارس، التي تعرضت للضرر أو الدمار بشكل كامل، بحسب بيانات من الأمم المتحدة.

يوجد أيضاً أكثر من مليوني طفل أي أكثر من ثلث الأطفال السوريين، خارج المدرسة، ويواجه 1.3 مليون طفل خطر التسرب من المدارس، كما يحتاج واحد من بين ثمانية أطفال في كل صف دراسي إلى دعم نفسي واجتماعي مختصّ، لتحقيق التعلّم الفعال.

دفع هذا الوضع المأساوي في البلاد بعض السوريين إلى إطلاق مبادرات فردية تطوعية، بهدف تأمين التعليم للأطفال وإن كان بقدرات محدودة. 

من بين هؤلاء مؤسس “مدرسة السكري”، كمال الحسن، وهو شاب نزح من محافظة حماة إلى ريف إدلب، اتخذ على عاتقه مع مُدرِسة أخرى متطوعة مهمة تعليم الأطفال بالإمكانيات البسيطة المتاحة له. 

يواجه الأستاذ كمال تحديات كبيرة في عمله، من بينها ضعف الإمكانات، وصعوبة التعليم في خيمة صغيرة دائماً ما تتسرب إليها المياه، ويشعر بالألم على طلابه الأطفال عندما يراهم يجلسون على الأرض أيام البرد.

بعد نحو عام ونصف من افتتاح المدرسة حصل الطلاب أخيراً على مقاعد يجلسون عليها، أثار ذلك ارتياحاً لكمال ولبقية الأطفال.

ينسى كمال تعبه عندما يرى طلابه يتحدثون عن آمال كبيرة وأحلام ينوون تحقيقها، يُعجب بإصرارهم على تلقي التعليم رغم كل الظروف السيئة التي يعيشونها.

يريد أطفال مدرسة السكري أن يعيشوا شيئاً من الطفولة كلما سنحت لهم الفرصة، فعندما يكون الطقس رقيقاً دافئاً على أجسادهم تراهم يتجمعون حول خيمتهم، يأكلون، يركضون، وبعضهم يتأمل في الأشجار والسماء، ويحلم بغدٍ أفضل.

مدرسة السكري