من خيمة إلى منزل.. عن اليوم الذي انتقل فيه أطفال سوريون من الخيام لمنازل جديدة

تقرير: مراد القوتلي

تصوير: عمر علوان 

كل شيء يبدو مختلفاً هذا الصباح، تعابير وجوه الناس، انشغالاتهم، شعورهم بالهواء الذي تتمايل معه أوراق الشجر، هذا اليوم هو نهاية المعاناة، هو الوقت الذي ستختفي فيه الدموع وتحلّ مكانها الابتسامات. 

 

اليوم هو يوم الرحيل، والرحيل دائماً مرتبط بالحزن، لكن هذه المرة الرحيل هو السعادة، هو تلك اللحظة التي طال انتظارها، ومن أجلها عانى كثيرون من قساوة الحياة والعيش تحت رحمة خيمة لا تشعر ببكاء الأطفال من البرد والحر.

 

بعد هذا اليوم لن يعد المطر عبئاً ولا الثلوج كابوساً، ستجتمع العائلة في غرفة واحدة، سينام الجميع مطمئنون من أنهم لن يصحوا وقد غمرت المياه ملابسهم، أو أن تسقط عليهم خيمتهم من شدة الرياح. 

 

اليوم هو يوم فرح الطفلة بيان، وعائشة، وإسماعيل، وغيرهم كثير من الأطفال الذين سينتقلون في الشمال السوري من خيام النزوح البائسة، إلى منازل حقيقية تعيد لهم الأمل بالحياة. 

 

هذه المنازل بناها فريق “ملهم التطوعي”، بعدما أطلق حملة أسماها “حتى آخر خيمة”، وجمع تبرعات للإنتهاء من كابوس المخيمات ونقل النازحين إلى منازل فيها مقومات الحياة، من مدفأة، وكهرباء، وأثاث، والأهم من ذلك باب للمنزل يُعطي خصوصية لحياة العائلات. 

 

الطفلة بيان هي واحدة من الذين دعوا الخيمة إلى غير رجعة، عندما التقيناها وهي تمضي ساعاتها الأخيرة في خيمتها، كانت الابتسامة لا تفارق وجهها، وتراها منهمكة وكأنما تسابق الوقت لحزم أغراضها وأغراض عائلتها، التي وضعتها في أكياس بيضاء كبيرة. 

 

كانت تخرج مسرعة جيئة وذهاباً من الخيمة إلى السيارة التي ستحمل أغراضها، وكلما عادت ودخلت للخيمة لاستكمال نقل الأغراض تجد ابتسامتها تزداد زهواً، فهذه الخيمة لن تعد مسكنها بعد الآن. 

فريق ملهم التطوعي

انتهت الطفلة بيان وعائلتها من حزم الأغراض، وحان وقت الانتقال إلى حياة جديدة بالكامل، نظروا جميعاً نظرة الوداع إلى الخيمة، تلك النظرة التي أعادت لهم مشاهد اتساخ ملابسهم بالوحل، تلك الليالي التي لم يناموا فيها من شدة الهواء الذي لم تصمد الخيمة أمامه. 

 

“هيا بنا”، يصيح الرجل الذي سينقل العائلة من المخيم، لا أحد من أفراد العائلة لديه الصبر، والجمع متلهف للوصول إلى المنزل الجديد.

 

رافقنا الطفلة بيان وعائلتها في طريقهما إلى المنزل الجديد، وصلنا إلى المكان، كانت القلوب تخفق فرحاً. دخلت الطفلة بيان وأشقائها وراحوا يركضون في أرجاء المنزل وهم يستكشفون غرفه المتعددة.

 

الطفلة قالت بعدما جلست بقرب مدفأة، إنها تشعر بالسعادة بعد انتقالها إلى المنزل الجديد، وبالنسبة لها أهم شيء هو انتهاء معاناتها من المياه التي كانت تفسد عليها حياتها وحياة عائلتها عندما تتسلل إلى خيمتهم. 

 

تبتسم بيان وهو تتكلم عن مقدار شعورها بالدفء في المنزل، وكيف تخلصت أيضاً من الوحل الذي دائماً ما كان يجعل ثيابها متسخة.

فريق ملهم التطوعي

تمضي بيان أوقاتها في سعادة مع أشقائها، فهم يتجمعون حول شاشة الهاتف المحمول، يضحكون جميعاً وهم يشاهدون فيديوهات الأطفال، ويلعبون في أرجاء المنزل وهم مطمئنون أنهم في نهاية اليوم سينامون دون أي خوف.

فريق ملهم التطوعي

في منزل قريب من منزل بيان، طوت الطفلة عائشة التي تبلغ من العمر 10 سنوات، صفحة بائسة من حياتها التي عاشتها في الخيمة لمدة عامين. 

 

عندما دخلنا إلى خيمة عائشة كانت منشغلة أيضاً في حزم أغراضها، جلست وهي متعبة من كثرة العمل، أخبرتنا بأن أكثر ما يشعرها بالسعادة هو تخلصها من المسافة الطويلة التي تقطعها يومياً للذهاب إلى المدرسة، وقالت إنها تمشي يومياً مسافة كيلومترات من أجل العلم. 

 

كثيراً ما حزنت عائشة على ملابسها التي كانت تتسخ رغماً عنها بسبب الوحل بعد سقوط الأمطار والثلوج، تخبرك بصراحة أنها تكره الخيمة، وأنها لم تشعر يوماً بالأمان فيها، ولم تهنئ لا في الصيف ولا في الشتاء.

فريق ملهم التطوعي

باتت عائشة تستمتع وهي تستلقي على الفرشة في غرفة المعيشة بمنزلها الجديد، باتت تعتني أكثر بشعرها، فكثيراً ما تجدها تفتح كاميرا الهاتف المحمول وتنظر إلى الشاشة والابتسامة على وجهها، وهي تمشّط شعرها. 

 

ليس ذلك فحسب، فإذا ما شعرت عائشة بحاجتها إلى الترفيه عن نفسها، تخرج مسرعة من المنزل، تتمشى في أرجاء الحي الجديد الذي تعيش به، وتعود إلى منزلها بدون ثياب متسخة. 

 

شقيقة عائشة الصغيرة تشعر هي الأخرى بالسعادة في المنزل، فهي تلازم شقيقتها في أي مكان تذهب إليه، تسند رأسها على كتف عائشة وتقضيان وقتهما في الغرفة الدافئة وهما تلعبان وتلهوان.

فريق ملهم التطوعي

في خيمة أخرى كان سكانها يستعدون للرحيل، كان الطفل اسماعيل يجلس سجادة مهترئة وضع عليها القليل من الطعام، لتناول فطوره الأخير في خيمته، أراد أن يأكل على عجل قبل أن ينشغل بحزم أغراضه تمهيداً للانتقال إلى المنزل الجديد. 

 

إسماعيل يبلغ من العمر 10 سنوات، وعانى الكثير من خلال عيشه في الخيمة التي وقف بجانبها، وروى لنا عن مدى صعوبة الحياة داخل قطع من القماش لا طعم للحياة فيها. 

 

كان الهواء القوي دائماً ما يخيف إسماعيل وهو في الخيمة، وكان يخشى الأمطار والثلوج لأنها بالنسبة إليه ولعائلته ليست سوى مصدراً للشقاء.

فريق ملهم التطوعي

في المنزل الجديد الذي انتقل إليه إسماعيل، كل شيء بدا مختلفاً، بات الآن باستطاعته الوقوف على شرفة منزله وهو يتابع سقوط المطر دون خوف، وتراه يلعب بكثرة من أبناء الحي الجديد.

فريق ملهم التطوعي

من داخل غرفة معيشته، قال إسماعيل إنه يشعر بالسعادة لأنه يعيش أخيراً في منزل له جدران، كان يبستم عندما قال: “صار لدينا منزل”، وقال إن المنزل الجديد سيمكنه أيضاً من أن يلعب بداخله هو وشقيقته. 

 

عندما دخلنا إلى منزل إسماعيل، كانت والدته وأشقائه منشغلون في ترتيب المكان الجديد، وفي بعض الأوقات كان أشقائه يصعدون درج البناء وينزلون مراراً وتكراراً وهم يضحكون.

فريق ملهم التطوعي

في الوقت الذي أصبحت فيه عائشة وبيان وإسماعيل يعيشون في منزلهم الجديد، يأمل عشرات آلاف الأطفال في مخيمات الشمال السوري التي يصل عددها إلى 1300 مخيم، أن يأتي يوم ويعيشون حياة جديدة كتلك التي تعيشها الآن بيان وعائشة وإسماعيل في منازلهم الجديدة. 

 

إذ تقدر الأمم المتحدة وجود أكثر من 1.6 مليون شخص يعيشون في الشمال السوري ضمن المخيمات العشوائية التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة.