مسكت الأم هاتفها وهي تذرف دموعها من وراء الشاشة، وخرجت أمام جمهور مواقع التواصل بعدما أصابها اليأس، وراحت تستجدي الجميع لمساعدتها في محنتها، وقالت لهم بصوت ممزوج بالبكاء: “أنقذوا طفلتي”.
طفلة هذه السيدة العراقية عمرها 12 عاماً، وأحلام طفولتها توقفت عندما قرر والدها – بحسب رواية الأم في أكتوبر 2021– أن يزوجها مبكراً، متجاهلاً المخاطر المرتبطة بالزواج المبكر للفتيات.
ظهور الأم وحملات التضامن التي ساندتها، دفعت وزارة الداخلية العراقية للتدخل، إلا أنه وبعد التحقيق خلص المسؤولون إلى أنه “لا مشكلة” في زواج الطفلة “لأنه تم برضاها”، ولأن “الشرع والقانون يجيزان زواج القاصر بوكالة ولي أمرها (والدها)”.
محنة هذه الطفلة ليست إلا صورة من مشهد يتكرر حدوثه في البلدان العربية بشكل مقلق، وكثيرات هنّ القاصرات اللواتي تُسلب منهن طفولتهن ولا يدري بهن أحد.
فتيات صغيرات لا يزلن يرسمن الأشجار والأنهار والعصافير على أوراق دفاترهن، وإذ بهن مرميات لقدر مجهول مع رجال يكبرهن سناً ويريدون منهن الزواج والإنجاب.
تقول منظمة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف) إن زواج الأطفال هو أي زواج رسمي أو أي ارتباط غير رسمي بين طفلٍ تحت سن 18 عاماً وشخص بالغ أو طفل آخر.
تُشير إحصائية المنظمة الدولية، إلى أن واحدة من بين كل خمس فتيات في منطقة الشرق الأوسط، يتزوجن قبل سن الـ18 عاماً، وترتفع هذه النسبة في الأماكن التي تشهد نزاعات.
أما في العالم أجمع، فإن12 مليون فتاة يتزوجن قبل عيد ميلادهن الثامن عشر كل عام، وفي حال لم تُتخد الإجراءات من قبل الدول، فإنه بحلول العام 2030، ستتزوج أكثر من 150 مليون فتاة أخرى بالعالم قبل بلوغ الثامنة عشرة.
يُمثل زواج الفتيات القاصرات نهاية حقيقية لطفولتهن، وقتلاً لأحلامهن بالحياة، حلم الدراسة، والنجاح، والتميّز.
كان لدى ياسمين حلماً بأن تصبح مصممة للأزياء، لكنها وهي في عمر الـ 16، تزوجت من شاب عمره 24، وأصبح حلمها بعيد المنال بعدما وجدت نفسها أمام واقع فرض عليها الأمومة في سن مبكر من عمرها.
الفتاة السورية اللاجئة في الأردن، قالت عندما التقى بها ممثلون عن “اليونيسيف”: “أنا حامل في الشهر الخامس الآن وفي بعض الأحيان أشعر بالغضب. أعتقد أن السبب هو التغييرات الجسدية التي تؤثر على مشاعري أيضا”.
أن يتزوج الأطفال باكراً، فهذا يقلل من احتمال استمرارهم في التعليم، كما أن الفتيات المتزوجات باكراً أكثر عرضة للعنف المنزلي، إضافة إلى أنهن يعانين من فجوات معرفية مع أقرانهن غير المتزوجات اللواتي أُتيح لهن استكمال تعليمهن.
ليس ذلك فحسب، بل إن الفتيات أكثر عرضة لمشكلات اقتصادية وصحية، كما أنهن أكثر عرضة لأن يلدن أجنة ميتة، أو يموت أطفالهن بعد أشهر فقط من الولادة، وفقاً للأمم المتحدة.
هنالك أسباب عدة وراء الزواج المبكر للأطفال، من بينها الظروف الاقتصادية التي تدفع بعض العائلات إلى قبول تزويج فتياتهن الصغار لرجال يمتلكون المال.
أيضاً تلعب العادات والتقاليد دوراً في انتشار هذه الظاهرة، لا سيما في المناطق الريفية، إذ يُنظر في بعض المناطق إلى الفتيات اللواتي لم يتزوجن قبل سن الـ18 على أنهن أصبحن من “العانسات”.
يتفاقم هذا النوع من الزواج أيضاً في حالة اندلاع النزاعات والأزمات الإنسانية، إذ ترى عائلات
في تزويج أطفالهم سبيلاً لتخفيف الأعباء والانتقال إلى وضع أكثر أمناً واستقراراً، إلا أن ذلك ليس مضمونا.
تقول الجمعية العامة للأمم المتحدة، إن زواج الأطفال تنطوي عليه مخاطر تعرض الأطفال لظروف تنطبق عليها “التعاريف القانونية الدولية للرق والممارسات الشبيهة بالرق” بما فيها الزواج الاستعبادي، والاسترقاق الجنسي، واسترقاق الأطفال.
أجرينا في Tiny Hand بحثاً نظرنا من خلاله على القوانين في البلدان العربية المتعلقة بتحديد الحد الأدنى للزواج، واللافت أن هذه القوانين تتحمل مسؤولية كبيرة عن السماح بتزويج الأطفال مبكراً، حتى في البلدان العربية التي أصدرت قوانين جعلت الحد الأدنى للزواج 18 عاماً.
قبل الدخول في عرض هذه القوانين، لا بد من الإشارة إلى أنه في العام 1964، دخلت اتفاقية أُطلق عليها “الرضا بالزواج والحد الأدنى للزواج” حيز التنفيذ، وقّع على الاتفاقية 16 بلداً، وتضم 55 بلداً طرفاً فيها، لكن 5 منها فقط بلدان عربية، هي: الأردن، وتونس، وفلسطين، وليبيا، واليمن.
توصلنا من خلال البحث، إلى أن القوانين المتعلقة بتزويج القاصرات فضفاضة دائماً، وتسمح عبر الاستثناءات ب الزواج بعلم الحكومات والقضاء للأطفال والفتيات القُصر، الأمر الذي يسمح باستمرار هذه الظاهرة.
قسمنا البلدان العربية إلى 3 فئات، دول تمنع الزواج قبل 18 عاماً ولديها استثناءات لذلك، ودول تسمح بالزواج لمن هم دون 18 عاماً، إضافة إلى دولة لا تضح حداً أدنى للزواج.
السعودية: يُسمح بزواج القاصرات ممن هم أقل من 18 عاماً، في حال تقديم 3 تقارير طبية تثبت الاكتمال الجسماني، إضافة إلى تقريرين من مختصين نفسي واجتماعي.
الإمارات: يُسمح بزواج من هم دون 18 عاماً، وذلك عبّر تشكيل لجنة بقرار من وزير العدل أو رئيس الجهة القضائية المحلية للنظر في القضية.
مصر: يمنع القانون الزواج لمن هم دون سن 18 عاماً، ولكن لا يزال الزواج المبكر ينتشر بكثرة في البلاد.
سلطنة عُمان: يُحدد القانون سن 18 عاماً كحد أدنى للزواج، ولكن يمكن لمن هم دون هذا السن الزواج بإذن من القاضي.
الأردن: يسمح بزواج من هم في عمر 16 عاماً، بموافقة من القاضي.
فلسطين: حدد القانون سن الزواج بـ 18 عاماً، ولكنه وضع استثناءات لذلك.
العراق: يشترط لإتمام الزواج بلوغ سن الـ18 عاماً، ولكن يمكن لمن هم في عمر 15 أن يتزوجوا، بإذن من القاضي، وتشهد البلاد حالات زواج لمن هم أقل أيضاً من 15 عاماً.
المغرب: يُسمح بزواج من هم دون 18 عاماً ضمن استثناءات، من بينها ترك الأمر لقرار القاضي.
ليبيا: يشترط القانون بلوغ سن العشرين عاماً للزواج، ولكن يسمح القانون باستثناء والزواج لمن هم دون هذا السن، ويُترك الأمر للمحكمة.
تونس: رغم اشتراط القانون سن 18 عاماً للزواج، إلا أنه يمكن إتمام الزواج قبل هذا السن بإذن من رئيس المحكمة الابتدائية.
الجزائر: حدد القانون سن 19 عاماً للزواج، ولكنه يُسمح للقاضي بترخيص الزواج قبل هذا السن إذا “اقتضت المصلحة” ذلك.
السودان: يحدد القانون السن القانوني بـ 18 عاماً، ولكن يسمح قانون الأحوال الشخصية بزواج الفتاة حتى وإن كانت في سن 10 أعوام.
موريتانيا: يمكن إتمام الزواج لمن هم دون سن 18 عاماً، شرط موافقة ولي الأمر.
جيبوتي: يُسمح بزواج من هم دون 18 عاماً في حال موافقة ولي الأمر.
جزر القمر: يمكن إتمام الزواج لمن هم دون سن 18 عاماً في حال موافقة أولياء الأمور.
البحرين: يُسمح بالزواج فيها لمن هم دون 16 عاماً، ويمكن لمن هم دون هذا السن أن يتزوجوا بإذن من المحكمة الشرعية.
الكويت: يسُمح للفتاة بالزواج متى بلغت سن 15 عاماً، وللفتى 17 عاماً.
قطر: يسُمح للفتاة بالزواج متى بلغت 16 عاماً، والفتى 18 عاماً، ويمكن إتمام الزواج قبل هذا السن، بعد موافقة الولي، وبإذن من قاضٍ مختص.
سوريا: يسمح القانون بزواج الفتاة متى بلغت 17 عاماً، والفتى 18 عاماً، ولكن تسمح المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية بالزواج بزواج الفتاة متى بلغت 13 عاماً وذلك بقرار من القاضي.
لبنان: يختلف الحد الأدنى للزواج في لبنان باختلاف الطوائف، وتسمح كثير منها بالزواج للفتيات بعمر 14 عاماً، أول أقل من ذلك.
اليمن: لا يحدد قانون الأحوال الشخصية حداً أدى للزواج في اليمن، الأمر الذي أدى لزواج فتيات بعمر 8 أعوام.
تدق لغة الأرقام المتعلقة بالزواج المبكر في الوطن العربي ناقوس الخطر، لا سيما مع استمرار هذه الظاهرة تحت أعين السلطات والعائلات.
– 18 % من الفتيات في المنطقة تزوجن قبل بلوغ 18 عاماً، بحسب الأمم المتحدة.
– مُعدل زواج الأطفال في اليمن يمثل أعلى نسبة بين الدول العربية.
– في السودان واليمن، تتزوج واحدة من كل 3 فتيات قبل بلوغها 18 عاماً.
– تسجل موريتانيا واحدة من أعلى معدلات الزواج المبكر في المنطقة، حيث تتزوج 37 % من الفتيات قبل سن 18 عاماً، وتُسجل البلاد أيضاً أعلى معدلات خصوبة.
– سجلت المغرب في العام 2019 أكثر من 27 ألف طلب لتزويج القاصرات.
– الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر قال في العام 2018، إن 117 طفلاً تزوجوا، وأن محافظات الصعيد سجلت نسبة زواج الأطفال بـ50%، بينما بلغت نسبة الطلاق 51.6.
في سوريا: ثلث السكان يعيشون في مجتمعات ملوثة بالذخائر غير المنفجرة.
…
تحت إدارة الدكتور التركي فرات ساري إلى جانب أطباء وممرضين وسائقي سيارات إسعاف، عملت “عصابة الأطفال حديثي الولادة” كما أطلقت عليها السلطات التركية على تنظيم عمليات إدخال أطفال حديثي الولادة في الحاضنات لأيام طويلة رغم أن وضعهم الصحي لا يستدعي ذلك…
أكتوبر 21, 2024