السنافر: مغسل سيارات يديره أطفال يمنيون

عصام القدسي| صنعاء

على بعد أمتار من ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، اتخذ أربعة أطفال من الرصيف مكانًا صغيرًا لتنظيف المركبات. ثلاثة إخوة ورابعهم جارهم، اعتزموا منذ ما يقارب أربعة أشهر على العمل لإعالة أسرهم في هذا المكان الذي أطلقوا عليه اسم “سرويس السنافر”.   

    بدأ محمد (14 سنة)، وهو صاحب الفكرة، رحلةَ العمل عندما وجدت أسرته نفسها محاصرة بظروف بالغة الصعوبة؛ من ارتفاع الأسعار، وازدياد احتياجات المعيشة، إلى تهديدات مالك المنزل، الذي يأويه مع أشقائه وأبيه المقعد، بالطرد. لم يكن ليخوض هذه المشقة لو أن له أبًا قادرًا على أن يوفر له الخبز والماء في بلد تسببت فيها الحرب بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، وجعلت نحو 80% من الشعب بحاجة إلى المساعدات الإنسانية، للبقاء على قيد الحياة وفق تقديرات أممية. 

    وبحسب دراسة نشرتها الغارديان، فإن الأسر في اليمن تضطر إلى إرسال أطفالها للعمل والتسول مع تزايد المخاوف بشأن ارتفاع أسعار الغذاء والمياه والبنزين.

    وخلصت الدراسة التي أجرتها لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) أن 62% من الذين شملهم المسح غير قادرين على شراء الطعام ومياه الشرب، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار الغذاء والماء والمحروقات. ووجدت البيانات، أن 150 عائلة يمنية في ثلاث مدن جنوبية، قلقة من الجوع أكثر من قلقها من الإصابة بفيروس كورونا.

    انتهت طفولة محمد بتوقف والده عن العمل وقعوده في المنزل بعد أن تعرضت شاحنة نقل الماء التي كان يمتلكها ويعمل بها، للعطب في الاشتباكات التي اندلعت في أغسطس/ آب 2017، بالقرب من جولة المصباحي، بين حراسة الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونقطة أمنية تابعة لسلطة أنصار الله (الحوثيين). 

أن نعمل أو نموت من الجوع!

    وفقًا لتفاصيل الرواية، كان والد محمد يعمل في نقل الماء، إلى جانب “سرويس” لتنظيف السيارات. كان قادرًا على إعالة أسرته، لكن الوضع اليوم تغير لدى محمد وأشقائه ولدى الأسرة بأكملها. فالطفل وأشقاؤه يقومون بمهام أكبر من طفولتهم. صباحًا، ومع بَدء العام الدراسي الجديد، يرتدون زيهم المدرسي للذهاب إلى المدرسة، ثم يعودون في المساء لمزاولة عملهم في تنظيف السيارات، من أجل ضمان بقاء أسرتهم على قيد الحياة. 

    بعيدًا عن مسرح الطفولة المعتاد، يقول محمد في حديث لـ”خيوط”، أنه بدأ العمل في هذه الفكرة من أجل تحسين الوضع المعيشي له ولأسرته، وتأمين مصاريف وإيجار المنزل. فالوضع المعيشي الصعب الذي تعيشه الأسرة نتيجة الحرب الدائرة رحاها منذ ست سنوات، أجبرت محمدًا على خوض تجربة لم تكن بمقاس طفولته الآمنة، كواحد من آلاف الأطفال اليمنيين، ممن كبروا خلال سنوات الحرب ووجدوا أنفسهم في الشوارع مجبرين على العمل في مهن متعددة لإعالة أسرهم المعدمة.

  “عندما توقفت المدارس وأصبحنا جالسين في البيت، قلنا نفتح هذا المشروع أحسن من الفراغ”، يواصل محمد الذي يدرس في الصف الثامن الأساسي حديثه، وهو يقوم بمسح إحدى السيارات، لافتًا إلى أنه فكر كثيرًا بإيجاد أي عمل حتى استقر على فكرة اقتراض مبلغ مالي لشراء “ماطور” صغير (مولّد كهربائي)، وخزان مياه للبدء في المشروع.

أحلامه بسيطة ولا تتعدى توفير مصروف اليوم للأسرة. ويضيف بلهجة تدرك من خلالها أنه لم يعد طفلًا  بل رجلًا متحملًا لمسؤولية الكبار: “أنا أكبر إخواني وهم مسؤوليتي، خاصة أن والدي مقعد بلا عمل”، متسائلًا في حديثه: “يعني أجلس أتفرج لأمي وإخواني وهم يموتوا جوع؟”. هنا فقط يمكنك أن تدرك أن محمدًا لم يعد طفلًا، فقد اضطر لارتداء عمر أكبر من طفولته البريئة. 

     إلى جوار محمد يعمل شقيقاه الصغيران وأحد أبناء جيرانهم. كل واحد منهم يعرف مهمته وما يقوم به، في مسح السيارات وتنظيفها، بعيدًا عن الراحة، واللعب، أو المشاركة في الحياة العامة كما تنص المادة (32) من اتفاقية حقوق الطفل المقرة من الأمم المتحدة في نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، والتي صادق عليها اليمن.

وبالرغم من المعاناة التي يعيشها هؤلاءِ الأطفال، فإن لديهم أحلامًا كبيرة للمستقبل، من خلال استكمال دراستهم، إلى جانب طموحهم أن يكونوا أطباء ومهندسين في المستقبل، رغم ما تواجههم من صعوبات وتحديات.

التحقيق أنجزه موقع خيوط, وتم نشره في موقع Tiny Hand ضمن شراكة تعاون عقدها الموقعين