الكاتب: ماجدة آيت لكتاوي
يلتفُّ جسمها النّحيل حول حبال متينة، تُشابك ساقيها في خفة واضحة، قبل أن تتسلق بمرونة وسلاسة.
تتوقف هُنيهة لتنصت لملاحظات أستاذها معلنا انتهاء حصتها التدريبية.
تلامس قدماها الأرض، فيما تعلن نظراتها الواثقة، أن خيمة التدريبات الضخمة التي تضم عشرات الطلبة والطالبات، تحتضن حلمها الكبير بأن تصير فنانة سيرك.
قبل 3 أشهر فقط، كانت رانيا دينار البالغة من العمر 16 سنة، دون هدف واضح يرسم معالم مستقبلها، إلا أن التحاقها بالمدرسة الوطنية للسيرك “شمسي” بمدينة سلا، قَلَب الموازين وجعل نظرة الأمل والطموح تطل من عينيها من أجل غد أفضل.
قادمةً من مدينة فاس، (تبعد عن سلا بـ 194 كيلومترا)، وجدت رانيا في المدرسة الوحيدة من نوعها بالمغرب والقارة الإفريقية ضالَّتها، خاصة بعد انقطاعها عن الدراسة دون أن تحصل على الشهادة الإعدادية.
تقول رانيا ” لم تكن الدراسة مركز اهتمامي، بقيت شهورا دون هدف، إلى أن زرت مركزا لفنون السيرك في مدينتي، قضيت به 5 أشهر وأتيت إلى سلا لاجتياز اختبارات المدرسة الوطنية للسيرك”.
سيكون على الفتاة أن تتابع دراستها بمدرسة “شمسي” المطلة على المحيط الأطلسي، طيلة أربع سنوات، لتنال في النهاية ديبلوم ” فنان سيرك ومنشط ورشات”، ذلك أن المدرسة المغربية تُكوِّن طلبتها وفق أبجديات فنون السيرك العالمي المعاصر.
” أشعر بذاتي حين أتدرب تحت خيمتنا الكبيرة، وأكرِّس وقتي كاملا للمدرسة والتدريبات تحت أنظار أساتذتي المغاربة والأجانب”.
التحاق رانيا بميدان السيرك، الذي ارتبط في مخيال المغاربة بالألعاب البهلوانية، لم يكن سهلا، حيث كان على الفتاة الصغيرة أن تواجه رفض والدها.
تقول المتحدثة”وجد أبي صعوبة في فكرة أن أبتعد عن البيت وأقطن بمدينة غريبة عني دون أقارب أو معارف، لكنه وافق على مضض بعد أن أقنعه بعض أفراد العائلة”.
لا يزال والد رانيا متخوفا، إلا أنها تحاول طمأنته، متخذة من المثابرة وسيلة للرد على كل من كان يطلق على مسامعها أن الفتيات المنقطعات عن الدراسة لسن جيدات بالقدر الكافي.
تحلم رانيا بأن تكون فنانة متألقة، وأن تعمل مع فنانين كبارا، ” لن ألتفت إلى الوراء مهما قيل، سأظل قوية وواثقة على الرغم من صغر سني”.
ليست نظرة المجتمع هي العقبة الوحيدة أمام طلبة السيرك، الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة ترخي بظلالها كذلك.
بسبب الأوضاع المادية الصعبة لأسرته، تخلى عبد المجيد الدقداق، 18 سنة، عن دراسته النظامية متوجها نحو تعلم العديد من الحِرف، أيام صعبة لم يكن يبث فيها القليل من الفرح إلا لقاء مع الأصدقاء لرقص “الهيب هوب” أو “البريك دانس”.
يقول عبد المجيد لـ ” تايني هاند”، “كنت أتدرب أنا وأصدقائي على الرقص في الشوارع والحارات”، قبل أن أنجح في اختبار المدرسة الوطنية للسيرك وألتحق بها.
“حين أبلغت أفراد أسرتي برغبتي في أن أصير فنان سيرك، وجدوا الخطوة غريبة بسبب قلة هذا التخصص، أما ما زاد الطين بلّة فكانت أوضاع أسرتي المادية التي لن تسمح بأن أستقر في مدينة أخرى لمتابعة التكوين” يقول عبد المجيد.
منحدرا من مدينة مكناس، البعيدة عن سلا بـ 118 كيلومترا، ساعدت مدرسة السيرك الشاب الموهوب، ووفرت له السكن ووجبات طعام بالمجان، ما سهل عليه الأمور ورسمت له طريقا سالكا لتحقيق حلمه.
“مدرسة السيرك أنقذتني من التسكع في الشارع بعد توقفي عن الدراسة، كما أن الفنون إجمالا يمكنها أن تنتشل المراهقين والشباب من براثن المخدرات والانحراف”.
بضحكة متفائلة يطمح عبد المجيد إلى أن يحذُو حذو من سبقوه من تلاميذ المدرسة، ويعمل في سيرك عالمي بإحدى المدن الأوروبية.
حلم عبد المجيد الكبير ليس أن يصير فنان سيرك عالمي وفقط، بل أن يفتتح مدرسة يعلم فيها الأطفال فنون السيرك ويصقل مواهبهم ويُثرِي أوقات فراغهم.
قبل 3 أعوام وضع الشاب المغربي محمد بيبلوه كاميرته على كتفه وانطلق، كانت أول صورة يلتقطها لوالدته وهي تعمل في مصنع الخياطة الخاص بها، صورة حملت الكثير من الحب وكانت سبباً في فوز محمد بجائزة تصوير وانطلاقه لاحقاً في عالم التصوير….
سبتمبر 16, 2020كان يوماً مليئاً بالاحتفالات، لم يُفوِّت الممرضون والممرضات بالمستشفى الإقليمي بمدينة الجديدة، تبعد عن الرباط بـ189 كيلومتراً، الاحتفال بعيد ميلاد الصغير علاء، المصاب بفيروس “كورونا”….
مايو 12, 2020