أطفال من اليمن يتحدثون عن أحلامهم الجميلة

نُهى الكازمي

دائمًا ما يوصف حديث الأطفال بأنه كلام يبثُّ الفرح ويبعث على التفاؤل، حديث يتسم بمفردات وموضوعات تُعبّر عن عالمهم الخاص. ولكن عندما تجلس مع طفل وتتجاذب معه أطراف الحديث، لا تجد تلك المفردات التي يتحدث عنها المختصون بلغة الأطفال وأدبهم، فالطفل اليمني يتحدث عن كل شيء يتحدث به الكِبار، أحاديثهم لا تُشبههم، أطفال شاخت طفولتهم في بلد يعاملون فيه كوقود حرب.

بماذا يُفكر الأطفال في اليمن؟ ما هي طموحاتهم؟، كيف يمكنهم تحقيقُها؟ أسئلة تبقى حبيسة الذهنية الاستشرافيَّة لذويهم، لكِنّها من وجهة نظر أطفال اليمن لن تتحقق إلَّا عند مُغادرتهم البلد، وتأتي طموحات الأطفال للخروج من اليمن؛ كنتيجة طبيعية للواقع الذي يعيشونه، فالأطفال في اليمن بلا حاضر وبلا مستقبل، هم آخر ما يمكن أن يشغل اهتمامات الحُكومات المتعاقبة على هذا البلد.

مريم (13 عامًا)، تتحدث لـخيوط، عن السبب الذي يدفعها لمغادرة اليمن: “لا أريد العيش في اليمن، لا أظن أنني قادرة على تحقيق أحلامي فيها، أتمنى أن أنتقل للعيش في السعودية؛ لأنّ كل أقربائي هناك، فيما تَحلم سُميّة (11عامًا)، أن تُغادر اليمن إلى تركيا يومًا ما، وتأمل أسيل (عشرة أعوام)، أن تذهب إلى مدينة ديزني التي تشاهدها في أفلام الكرتون.

من جهتها قالت سمر (14 عامًا)، لـخيوط“: “سأهاجر يومًا إلى كوريا الجنوبية، أو إلى اليابان، أُمنيتي أن أصبح عالمة حاسوب“. 

أما فارس الذي يدرس في الصف السادس أساسي فيحلم أن يكون رحّالة، ولكنه يتجهّم حينما يتذكر أنّ اليمني يُسافر فقط ليكدّ ويعمل بمشقة خارج اليمن كوالده؛أسمع أمي دائمًا تقول: “اليمني يغترب؛ لأجل لقمة عيشه، وأنا أحب السفر وأتمنى في المستقبل أن أصبح رحاّلة مثلجو حطّاب، لا أريد أن أكون يمنيًّا مغتربًا يكدّ من أجل لقمة العيش، أنا أرى أبي مرة كل 3 سنوات، فهو مغترب في السعودية ويعمل في محل ملابس“. 

 ويضيف فارس: “أتواصل مع عمي الذي يعيش في ماليزيا، وهو دائمًا ما يرسل لي صوره في المناطق التي يسافر إليها، وقد قطع لي وعدًا أنه حين يأتي سيأخذني إلى جزيرة سُقطْرى“. صمت فارس فجأة، وقال متنهدًا: “أمي لن توافق على ذهابي، هي لا تسمح لي بالخروج كثيرًا تُراقبني دومًا، ويساورها القلق كُلما غادرت المنزل، حتّى إنها تناديني كلما ابتعدت عن البيت برفقة أصدقائي“. 

القتل.. الخطف.. التحرش

بالإضافة إلى الحصار والعزلة الخارجيَّة، يُعاني الأطفال في اليمن من العزلة الداخليَّة، ففي هذا البلد الذي يتغذى على الصراعات والحروب المحتدمة منذ أعوام، يتعرض الأطفال إلى القتل، والخطف، والتحرش، والاغتصاب؛ الأمر الذي دفع الكثير من الأهالي إلى منع أطفالهم من الخروج إلى الشوارع للعب. 

  • هكذا يعاني الطفل في اليمن؛ يُصدّرهالحوثيينإلى الجبهات، ويؤدلجه في المُخيمات الصيفية من أجل أن يجعله أقرب للموت منه للحياة، فيما تعمل الجماعات الدينية المُناهضة لهم على تأطيره في جلساتها وحلقاتها الدينيَّة

كما أنّ الانهيار والتدهور الاقتصادي زاد من معاناة الأطفال، فلم يعد في مقدور الأهالي أخذ أطفالهم إلى المتنزهات وحدائق الألعاب؛ بسبب ارتفاع أسعار الألعاب التي تجاوزت دولارًا أمريكيًّا للعبة الواحدة.

تقول أم فارس لـخيوط“: “قبل اندلاع الحرب، كنت آخذ أطفالي إلى الحديقة مرة كل أُسبوع؛ للعب. أما الآن فلم يعد في مقدوري ذلك؛ فقد ارتفعت أسعار المواصلات، والألعاب، وراتبي لم يعد يغطي أدنى تكاليف المعيشة، وعندما أُفكر في أخذهم إلى ساحل أبينوهو الأقرب لكل سكان عدنأجده مكتظًّا بالمخزّنين. أصبح التفكير بالترفيه عن أطفالي مقصورًا على زيارة الأهل في المناسبات والأعياد.

نتج عن هذه العزلة التي فرضتها العوامل السابقة الذكر، أن يتوجه الأطفال إلى شاشات الهواتف النقالة، والأجهزة اللوحيَّة، والتلفاز، وبرامج التواصل الاجتماعي كـ(تك توك)، و(إنستغرام)، و(يوتيوب)، وغدت هذه البرامج محطَّ اهتمام الأطفال في المدن اليمنية، وواقعًا بديلًا، لشريحة كبيرة منهم والتي يجدون فيها بيئة مثالية تُنسيهم واقعهم الذي يعيشون فيه، ويقضون ساعات في متابعتها مع أهلهم، أو بدون علمهم.

وعند سؤالهم عمّا إذا كانوا يسمعون أغاني الأطفال الشعبية اليمنية، وجدتخيوط، أنّ جميعهم يحفظون أغانيَ مثل: أغنية (يا بقرة صبّي لبن)، وأغنية (يا دجاجة عمتي)، ويقفون صفًا عندما يقولون بصوت واحد: “من كُبته طيّار، وعلى الرغم من معرفتهم بالألعاب الشعبية، كـالشبدلة، الفتاتير، الرقعإلخ، إلَّا أنّ خروج الأطفال من منازلهم، لا سيما الفتيات أصبح محدودًا.

 اختفت الألعاب الشعبية في المدن السكنية التي تقع على تقاطعات الشوارع في عدن، بينما ما زالت آثار خطوط (الشبدلة) مُحددة بالطباشير في عدد من الأحياء والأزقة في كريتر، والمنصورة. 

ومع أنّ الأطفال يتساوون مع الكِبار في متابعتهم لكل ما تُصدّره وسائل التواصل الاجتماعي، إلَّا أن الكبار يبذلون وقتهم في متابعة الأحداث التي تمرّ بِها البلد والتي يعرفونها سلفًا، من خلال فيسبوك، ويستقون أخبارهم من صفحات المُوالين، أو المناهضين لأطراف الصراع، ويُشاركون في إذكاء هذا الصراع، وفق توجهاتهم المذهبيّة، والمناطقيّة، وميولهم الحزبية، وهو الفرق الجوهري بينهم وبين الأطفال الذين يُحاولون، أن يتابعوا ما يُمكن أن يخلق لهم مُتعة الترفيه، وما يقربهم من العالم المثالي الذي ينشدونهمن وجهة نظرهمحيث يجدون أنفسهم متساوين مع غيرهم من الأطفال في مختلف بلدان العالم، ويُسجلون حضورهم ومشاركتهم وتفاعلهم، ولو من خلف الشاشات.

نحلم ألا نسمع أصوات الحرب

وعن الوضع السياسي في اليمن، تحدث أطفال لـخيوط، عن رغبتهم في التخلص من كل ساسة اليمن، فهمبحسب ما يرونالسببُ الرئيسي في خراب اليمن، والبداية الفعليَّة لتحقيق السلام في البلد ستتحققعند عزل القُدماء“. 

وبقدر ما يبدو المنظور السياسي للأطفال في اليمن مصدره البيئة المُحيطة بهم، ولكن رغبتهم الحقيقية في تحقيق السلام الدائم، وإنهاء الحرب، والصراع، بكل مظاهره الاقتصادية والسياسية والثقافية، تأتي بمثابة أُمنية صادقة، وحلم يتمنون تحقيقه بمعزل عن المصالح الخاصة، والانتماءات الحزبيَّة، والتوجهات السياسية التي يقدمها ساسة هذا البلد، كشروط لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن. 

ووفقًا للمعطيات السابقة، فإن تعريف مرحلة الطفولة في اليمن، لا يمكن أن تكون بمعزل عن جملة الظروف التي تُهمّش هذه الفئة من المجتمع، فالطفل اليمني هو الذي تُنتَهك حقوقه المكفولة بالمواثيق الدوليَّة، هو الذي يُقتل بطلقة قنَّاص أو بقصف عشوائي، هو الذي يعمل في الورش، والحقول، ويمسح الطاولات في المقاهي، والمطاعم، ويتسول اللقمة في الشوارع، مشرد، ونازح، ومُصاب، هو رقم يُضاف إلى قوائم المنظمات ومؤسسات الإغاثة الإنسانيَّة. 

هكذا يعاني الطفل في اليمن؛ يُصدّرهالحوثيونإلى الجبهات، ويؤدلجه في المُخيمات الصيفية من أجل أن يجعله أقرب للموت منه للحياة، فيما تعمل الجماعات الدينية المُناهضة لهم على تأطيره في جلساتها وحلقاتها الدينيَّة. 

وعن دعوتهم للسلام، قال أطفال اليمن في رسالتهم إلى الأمين العام للأمم المتحدة والمديرة التنفيذيَّة لليونيسف: “نحلم ألَّا نسمع أصوات الحرب ولا نرى دماء أطفال اليمن. هذا حُلمنا الأول حتَّى نستطيع تحقيق بقية أحلامنا. نحلم أيضًا أن يتم معاملة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بإنسانية وبدون تمييز“. وأضافوا في رسالتهم: “نريد أن نعيش الحياة الجميلة بدون حرب وبدون حصار. نحب أن نتعرف على جميع شعوب العالم، ونحيا معهم بسلام في هذه الأرض“. 

التحقيق أنجزه موقع خيوط, وتم نشره في موقع Tiny Hand ضمن شراكة تعاون عقدها الموقعين