أطفال مغاربة “ناجون”

كاتب التقرير: ماجدة أيت لكتاوي

“لماذا لم ترغب أمي بالاحتفاظ بي؟” هو السؤال المؤرق الذي يطرحه  10 آلاف من الأطفال المغاربة المتخلى عنهم، وفق أرقام رسمية حكومية، وإن كان الرقم الحقيقي أضعاف ذلك وفق ما تؤكده إحصائيات قامت بها جمعيات تشتغل في المجال.

وفي زحمة الأرقام هذه تكفل المواطن السويسري هان جورج هوبير بعشرات الأطفال المغاربة المتخلى عنهم وإيوائهم وتدريسهم وتخصيص أمهات بديلات لهم، مقرراً اقتسام ثروته ما بين أبنائه الثلاثة وبين 115 من الأطفال المغاربة.

بثقة شديدة، يقول “هوبير” لـ “Tiny Hand”، ” جمعت أولادي وأخبرتهم أنني قررت أن أعطي معاني أخرى لنصف ميراثهم، وهذا ما فعلتُه حيث صار لي عشرات الأبناء والبنات الآخرين الذين يستحقون الحب والرعاية والاهتمام”.

مُعذَّبو المملكة الصغار

الأطفال المغاربة المتخلى عنهم

قبل أيام قليلة ومع بداية عام 2020، كشفت جميلة المصلي وزيرة المرأة والأسرة، أن عدد الأطفال حديثي الولادة الذين تم العثور عليهم  سنة 2018 بلغ ما مجموعه 360 طفلا، فيما بلغ عدد الأطفال المتخلى عنهم 1741  طفلا خلال نفس السنة.

الأرقام بالمغرب تبدو مُهولة، في وقت أشارت فيه دراسة لجمعية “إنصاف” المدافعة عن حقوق الأطفال والنساء، أن عدد الأمهات العازبات في المغرب في ارتفاع مُستمر، إذ سجلت الجمعية، بين سنتي 2003 و2010، وجود حوالي 200 ألف أم عازبة، و24 طفلا يُتخلى عنه في كل يوم!

ويعود السبب الرئيسي في ارتفاع أعداد الأطفال المُتخلى عنهم في المغرب، إلى القوانين الزجرية التي تُعاقب الأمهات العازبات على ممارسة علاقات جنسية خارج إطار الزواج، دون الآباء الذين يفلتون بجلدهم في غالب الأحيان، وهو ما يجعل هؤلاء الأمهات يهربن من العقاب بالتخلي عن أطفالهن أو تعريضهم للخطر.

قرية الأطفال .. جنتهم على الأرض

الأطفال المغاربة المتخلى عنهم

يتقافزون في الممرات، ويقصدون باحة الألعاب التي يعتبرونها مكانهم الأثير، إلا أنهم يوقفون كل شيء حين يرون والدهم متوجها صوبهم راسما على محياه ابتسامة عريضة، ليتحلَّقوا حوله طمعا في القبلات والأحضان.

فالفرح ورسم الابتسامة على وجوه أطفال يعانون الوحدة ويفتقدون دفء العائلة، هو ما يعمل السيد “هوبير” على توفيره لأطفاله الصغار حيث يمسح على رؤوسهم ويقبلهم ويلاعب من انزوى بعيدا منهم.

“إذا لم يقم أحد بالاعتناء بهؤلاء الأطفال الصغار اليتامى والمتخلى عنهم ممن لا ذنب لهم، فمن سيقوم بذلك”، يصمت برهة قبل أن يستطرد، “الضحية الكبرى هي الطفولة”، يقول المواطن السويسري لـ “Tiny Hand”.

“لذلك قررت وأنا في عمري هذا أن أبني هذه القرية بنصف ما أملك وبكثير من الفرح”.

تمتد “قرية الأطفال دار بويدار” بتحناوت (تبعد عن مراكش بـ 35 كيلومترا)، والتي كلفت صاحبها مليوني يورو، على مساحة 15 هكتارا تضم مرافق عديدة، منها 10 منازل ومدرسة ومستوصف ومسجد، وتحرص 60 أما و40 مستخدما على رعاية 115 من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين بضعة أسابيع و11 سنة.

حماية الطفولة .. منتهى السعادة

الأطفال المغاربة المتخلى عنهم

” أشعر بسعادة غامرة بسبب ما قمت به، أنا الأسعد على وجه البسيطة، كيف لا وأنا والد لأزيد من 100 طفل”، يقول “هان جورج هوبير” لـ “Tiny Hand”.

يحرص السيد هوبيرعلى تلقين الأطفال 4 لغات مختلفة، وتعليمهم الرسم والمسرح والشعر والرياضة، ويعتبر أنهم في أمس الحاجة للفنون والرياضة لمساعدتهم على مداواة جروح التخلي عنهم وتجاوز سؤال: “من والداي ولماذا تركوني وحيدا في قارعة الطريق؟”.

من أجل ذلك، جُهزت مدرسة القرية بقاعات لتلقين دروس الموسيقى وبقاعة للعروض المسرحية وصالات رياضية.

وفق صاحب القرية التي شارفت على الامتلاء بوصول عدد الأطفال القاطنين فيها إلى 120 طفلا، فإن 15 منهم يعانون إعاقات، كالشلل ومتلازمة ثلاثي الصبغي والعمى، إلا أنهم ينالون رعاية واهتمام الجميع بمن فيهم الأطفال. 

“صحيح أنني سويسري الهُوية لكنني مغربي القلب والهوى، وأنا هنا منذ قرابة 10 سنوات، ونادم لأني لم آت قبل ذلك”، يختم صاحب “قرية الأطفال” حديثه قبل أن يوجه دعوته للجميع من أجل تقديم المساعدة والاعتناء بالأطفال أو جلب ملابس وألعاب لهم. أو بناء قرية مماثلة لمن يستطيع من الأثرياء.