قبل عام وتحديداً في الشهر الثالث/ 2019 قامت إحدى المنظمات الإغاثية بتسجيل مقطع فيديو للفتاة السورية عبير المحمد تحدثت فيه عن أوضاع نزوحها وعائلتها، هذا المقطع تسبب بقتلها لاحقاً مع أخيها.
التفاصيل التي روتها حينها عبير جلبت تعاطفاً كبيراً، فهي يتيمة الأب تهتم وحدها بوالدتها المشلولة وأخويها أحدهما من ذوي الاحتياجات الخاصة، نزحوا جميعاً من مدينتهم تدمر السورية وانتهى بها المطاف في مخيم بريف إدلب الشمالي.
وإلى جانب التعاطف حصلت عبير على مساعدات مادية فاقت قيمتها عشرة آلاف دولار، الأمر الذي تم تداوله حينها على الشبكات الاجتماعية وبين أقارب هذه الفتاة الذين قاموا بذبحها وأخيها الصغير وسرقة المبلغ، ومن ثم التبليغ على الحادثة!
ولكن ما لم يحسب حسابه أولئك المجرمين أن أخيها ذوي الاحتياجات الخاصة كان شاهداً على الجريمة وأشار الى الجناة خلال عزاء أخته وأخيه.
بعد مقتل عبير وأخيها الصغير تم انتقاد الجهات التي قدمت المساعدات المادية لكشفها عن المبلغ وتعريض حياة هذه الفتاة للقتل بهذه الطريقة.
وبحسب ليلى حسو مديرة المناصرة في منظمة حراس الطفولة يستطيع أهل الضحية رفع دعوى على الجهة التي نشرت معلومات طفلتهم، وتضيف لـ “Tiny Hand” يقابل “تقديم الخدمات للمستفيدين تعّهد من الجهة المقدّمة بحفظ سرية المعلومات حتى لو تمت الموافقة من الشخص على نشر معلوماته يجب على المنظمة تحديد المخاطر التي قد تقع خلال نشر فيديوهات أو صور أو حتى معلومات”.
وتؤكد ليلى أن ما حصل مع عبير هو “خرق واضحة من المنظمة”.
ليست عبير الحالة الإنسانية الوحيدة التي تحولت بين يوم وليلة إلى نجم سوشيال ميديا، وانقلبت المساعدة المقدّمة إلى نقمة!
حيث تعمل في سوريا عشرات المنظمات الإنسانية المحلية التي تتنافس فيما بينها على الحصول على الدعم المادي لمشاريعها، حتى لو كان ذلك على حساب الطفل وضد حقوقه أو المبادئ التي ينصّ عليها ميثاق الأمم المتحدة.
واحد من تلك المبادئ هو الامتناع عن طلب العروض التمثيلية من الطفل، لأن ذلك يعدّ انتهاكاً لخصوصية هذا الطفل، إضافة إلى انتهاك مبدأ حماية مصلحة الطفل وإعطائها الأولوية.
منهم الطفل السوري حسين، بدأت قصة هذا الفتى حين تم تصويره من قبل ناشط يسأله عمّ يقوم به، ليتحدث الطفل عن أوضاعه القاسية وعمله في جمع العلب البلاستيك وأكياس النايلون وبيعها مقابل نصف دولار يومياً أي ما يؤمن له وعائلته ثمن رغيف الخبز.
المقطع حينها انتشر بشكل كبير وأغلب الوسائل الإعلامية تحدثت عنه، إضافة إلى تواصل عدد من المنظمات الإغاثية لتقديم المساعدات له ولعائلته.
ولكن لم يقف الأمر عند هذا الحد، حيث بدأت تنتشر صوراً ومقاطع فيديو مختلفة للطفل حسين مع مسؤولي المنظمات إلى جانبهم المساعدات التي تم تقديمها، الأمر الذي انتقده الممثل السوري عبد الحكيم قطيفان على صفحته بقوله “لم أفهم هذا الحرص على تدفق المساعدات والخدمات لعائلة الطفل حسين في حين أن هناك الآلاف ممن يشبهون حسين ولم يقترب منهم أحد!”.
وختم المنشور بقوله “فرق الإغاثة الأكارم أتمنى أن تحرصوا على أن يكون فعل الخير والعطاء للخير والعطاء فعلاً وليس للإعلام!”.
ويتوافق منشور قطيفان مع إحصائيات لمنظمة اليونيسيف تشير فيها إلى وجود 1.2 مليون طفل سوري بحاجة ملحة للمساعدة ويعانون من نقص شديد في الغذاء والمياه والدواء.
أما بالنسبة للطفل حسين لم ينته الأمر عند تلك الصور التي تم نشرها خلال تقديم مساعدات مختلفة له، بل خلال التعامل معه أيضاً تم انتهاك أحد المبادئ المهمة للطفل بحسب ميثاق الأمم المتحدة وهو مشاركته في عرض تمثيلي، يظهر فيه خلال حصوله على ملابس جديدة وينتهي هذا المشهد به واقفاً بين أصدقائه الذين كانوا يجمعون معه البلاستيك ويبحثون في مكبات القمامة على ما يؤمن لهم لقمة العيش.
“ولكن ماذا سيحدث عندما يكبر حسين ويشاهد هذه الفيديوهات والصور؟” طرحت هذا السؤال ليلى مديرة المناصرة من منظمة حراس الطفولة وأضافت “ماذا سيحدث بعد ذهاب الطفل إلى المدرسة وبات معروفاً كطفل يعمل بجمع النفايات هل ستعرّض للتنمر في المدرسة؟”.
حسين يظهر بملابسه الجديدة وهم بملابسهم الرثة، ملامحهم وعيونهم تترقب عدسات الكاميرا هذه علّها تصنع منهم أيضاً نجوماً في السوشيال ميديا ويلتفت أحداً لأوضاعهم السيئة!.
تضيف ليلى “نصيحة واضحة وصريحة، على الطفل أن يبدو فخوراً ومتمكناً، وألا يتم وضعه في موقف قد يعرّضه لاحقاً للإذلال من محيطه، يجب عدم إلحاق الأذى بأطفال آخرين خلال التصوير أيضاً، وهنا أقصد الأذى النفسي أيضاً”.
وبحسب ليلى فإن سرية المعلومات المرتبطة بالطفل أمر هام، فمثلاً لو اختار الجهة إظهار وجه الطفل عليها إخفاء اسمه الكامل ومكان إقامته لأن “هذا الإجراء يقلل من نسبة تحديد مكان الطفل بشكل دقيق في المجتمع وتقلل نسبة تعرضه للخطر”.
وهنا تلفت ليلى إلى نقطة مهمة حول تصوير الطفل حسين تقول “كان من الممكن أن تكتفي الجهة التي صورته بالمقطع الذي يظهر فيه سعيداً وفخوراً، لا داعي لوصف الحالة الكاملة واصطحابه لمكان عمله السابق”.
“فعلى أي جهة تعمل في المجال الإغاثي دراسة المخاطر التي قد تنتج عن تصوير الطفل، وأن تحصل على موافقة من الطفل وأهله وكل طفل يظهر في الفيديو قبل التصوير وشرح المخاطر التي قد يتعرضون لها نتيجة مشاركة معلوماتهم” بحسب كلام ليلى.
وتختم مديرة المناصرة حديثها بقولها إن “على الجهات الإغاثية عدم استغلال حالة أي طفل مشهور لاستجداء دعم إضافي للمنظمة لأن هذا يعتبر استغلال للطفل من قبل هذه الجهة، وعوضاً عن ذلك على المنظمة التركيز على الحالة التي يمر بها هذا الطفل والتأكيد على أن الأموال المتبرع بها سوف تستخدم في معالجة حالات مشابهة”.
حسين ليس الطفل الوحيد الذي تمت إعادته إلى مكان شقائه وعمله إن صحّ الوصف، كثيرون مثله يتم التعامل معهم بهذا الشكل لأسباب “درامية”، حيث لجأت إحدى المنظمات الإغاثية لتصوير كيف تغيّرت حياة طفل يتيم كان يعمل في بناء المنازل وتعميرها بعدما تمت كفالته.
وحتى تكتمل الصورة الدرامية تم أخذ الطفل مرة أخرى إلى مكان عمله السابق، ليجلس بين تلك الجدران التي كانت سبباً في تشققات يديه ويتحدث عن حياته الجديدة بلغة يصعب على الكبار استخدامها أو فهمها!.
قصة محمد “ليس اسمه الحقيقي حماية لخصوصيته” لاقت دعماً من قبل منظمة إنسانية عالمية ومن خلال شريكها المحلي تم تقديم الدعم، ولكن بعدما تم تقديم الدعم وإعادة الطفل إلى مدرسته وافتتاح محل صغير لوالده كي يعيل هذه العائلة ويتوقف عن إرسال طفله للعمل في حفر القبور، قامت المنظمة المحلية بإعادته للمقبرة لتصوير “مشهد تمثيلي” وهو يعمل في حفر القبر لتوثيق قصته!
تلك القصة التي قد تعرّضه وعائلته إلى “عزلة اجتماعية” يقول مختص الحماية في منظمة حراس الطفولة لـ “tiny hand” موضحاً أن “عدم متابعة هذه الحالات من قبل المنظمات يعرّض الطفل لخطورة كبيرة، فبعد إغراقه بالمساعدات أثناء عمليات التصوير، ستنتهي بعد فترة قصيرة ليجد الأهل أنفسهم عند مفترق طرق خطير جداً”.
موضحاً أن “المساعدات المجتمعية التي كانت تصلهم قد توقفت، ومن جهة أخرى سيشعر الطفل أنه أصبح سلعة للكسب، وبعد الاهتمام الكبير الذي كان يناله من أهله بسبب شهرته الإعلامية ستخف وقد يتحول في حالات إلى حالة من إلقاء اللوم عليه لعدم توفيره الأموال لعائلته كما حصل سابقاً”
ويعاني الأطفال في سوريا بحسب استطلاع قامت بها منظمة اليونيسيف فقد أثّرت جراح الحرب بعمق على الأطفال وخاصة أولئلك الذين ولدوا خلال الحرب فهناك 6 مليون طفل لا يعرف في حياته سوى الحرب، لذلك فإن التأثير على صحة السوريين النفسية هائل.
واعتبر الاستطلاع أن الضرر النفسي وتأثيره على الصحة النفسية بنفس القدر من الخطورة كما الجروح الجسدية.
في سوريا: ثلث السكان يعيشون في مجتمعات ملوثة بالذخائر غير المنفجرة.
…
تحت إدارة الدكتور التركي فرات ساري إلى جانب أطباء وممرضين وسائقي سيارات إسعاف، عملت “عصابة الأطفال حديثي الولادة” كما أطلقت عليها السلطات التركية على تنظيم عمليات إدخال أطفال حديثي الولادة في الحاضنات لأيام طويلة رغم أن وضعهم الصحي لا يستدعي ذلك…
أكتوبر 21, 2024