كاتب التقرير: ماجدة آيت لكتاوي
“كْلينيكْس.. كلينيكس .. تْعاون معايا سيدي”، ينادي أولياكار بلهجة عامية متكسرة، مارًّا بين السيارات المتوقفة في انتظار الضوء الأخضر.
هو أيضاً ينتظر أن ينادي عليه أحدهم ليشتري منه علبة من المحارم الورقية، فمنذ قدومه إلى المغرب حاول اليافع السينغالي أن يجد عملاً يمكنه من العيش الكريم دون أن يجد إلى ذلك سبيلاً.
كان أولياكار متوجساً، حيث رفض الحديث لـ “Tiny Hand”، مخافة ترحيله أو إبعاده من مدينة مراكش، وهو القاصر الذي لا يحمل أي وثيقة تعريفية كما لا يملك بطاقة إقامة بالبلد.
بعد تطمينات عديدة بعدم كشف هويته، أبدى اليافع ذو الـ 17 عاماً حنيناً عميقاً لوالديه وإخوته الصغار، “أتيت من قرية جميلة ضواحي العاصمة داكار، وأنا هنا منذ 8 أشهر”.
الفقر الذي تعيش فيه العائلة جعله يكبر قبل الأوان، ليقصد المغرب أبريل/ نيسان 2019، عسى أن يجد معبراً نحو مدينة سبتة التابعة للسلطات الإسبانية.
حلم أوليكار انكسر على صخور الواقع، فلا الوصول للمدينة المغربية كان باليُسر الذي اعتقده، ولا أصحاب المحلات والمطاعم رغبوا بتشغيله وهو الغريب والقاصر.
خلال أشهر الصيف، اعتاد اليافع النوم في شوارع مدينة مراكش ذات الأجواء الساخنة، لا يملك إلا حقيبة ظهر هي كل ما أتى به من موطنه.
يقضي يومه في التجول في الشوارع لبيع “الكلينيكس” (محارم ورقية) أو حمل صناديق الخضروات والفواكه مقابل القليل منها أو انتظار ما يجود به بعض المحسنين من صدقات.
منذ شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013، قام المغرب بإطلاق “إستراتيجية وطنية للهجرة واللجوء“، تُسهّل إدماج المهاجرين في المغرب في النّظام التعليمي، وضمان حصولهم على العلاج في المستشفيات المغربية، ومنحهم الحقّ في السّكن وفق القوانين المغربية، وتقديم مساعدات قانونية وإنسانية، والولوج إلى التّكوين المهني، وتسهيل الوصول إلى التشغيل.
استفاد من البرنامج 23 ألف مهاجر أفريقي غير نظامي، قبل أن تُطلق المرحلة الثانية منه في نهاية عام 2016، وكانت العملية تقضي بمنح بطاقة إقامة لمدة سنة، تم تمديدها إلى ثلاث سنوات.
حسب المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) بالمغرب، فـ”الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللّجوء” نجحت بعد 4 سنوات من وضعها، على الأقل بالنسبة للاجئين، لأنها ضمنت لهم الحماية الجسدية والقانونية.
وصل عدد المسجلين لدى المفوضية في المغرب إلى 5 آلاف شخص لهم الحق في الصحة والعمل والدراسة، وقد وصلت نسبة الأطفال المسجلين في المدارس العمومية المغربية إلى 82 في المئة منهم”.
برانسيليا القادمة من الكونغو رفقة والدتها واثنين من أشقائها، ليست من هؤلاء الأطفال أبناء المهاجرين المسجلين في المدرسة العمومية بالمغرب.
الطفلة هاجرت بعد الاضطرابات في جمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث فر قرابة مليونا شخص منذ يناير/كانون الثاني 2017 بسبب العنف المتفاقم بالبلاد.
“وصلتُ قبل سنتين إلى المغرب، ولي صديقات مغربيات طيبات، يذهبن إلى المدرسة كل يوم، أما أنا فأتعلم اللهجة العامية المغربية تحدثا وقراءة مرتين في الأسبوع” تقول الفتاة ذات الـ 13 ربيعا بحسرة بادية.
تعود برانسيليا بذاكرتها لمدرستها ومدينتها التي تعرضت للخراب بسبب ميليشيات مسلحة اقتحمت البيوت واستقرت داخل الحجرات المدرسية، لتؤكد أنها كانت متفوقة في دراستها وتتلقى تعليما جيداً ومنتظماً في بلادها.
التقطت والدة الفتاة خيط الكلام، وأكدت أن أوضاع عائلتها كانت على أحسن ما يرام، فيما كان أبناؤها يتابعون دراستهم بأحسن المدارس، قبل أن تندلع الحرب ويقرر الآلاف من المواطنين من بلادها الهروب إلى دول أخرى.
تصمت السيدة جان زانكند الملقبة بـ “ماما جانيت”، طويلاً متيحة الفرصة لدموعها بالانهمار، فيما ترمقها برانسيليا بحزن، قائلة “لا أريد أن أبقى في المنزل، أتمنى أن أكمل دراستي، لأن 4 ساعات دراسة في الأسبوع ليست كافية”.
حتى لا يضيع مستقبل هؤلاء الأطفال المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، صارت “ماما جانيت” أمًّاً لهم جميعاً، وعلى الرغم من أن قصر المدة التي قضتها بالمغرب إلا أنها صارت مستشارة لأسر مهاجرين أفارقة ممن يرغبون بتدريس أبنائهم.
تطمح برانسيليا بأن تدرس 5 أيام في الأسبوع بمدرسة مغربية إلى جانب صديقاتها ممن يقطن نفس الحي ويشاركنها الحديث واللعب.
إلا أن رغبة الفتاة ووالدتها اصطدمت بالإجراءات الإدارية الكثيرة بالمدرسة، تقول “ماما جانيت”لـ “Tiny Hand”،”حتى الوثائق المطلوب مني إنجازها لأحصل على بطاقة الإقامة طويلة ومعقدة”.
برانسيليا ليست الفتاة الوحيدة التي استقبلتها جمعية “أمل للتربية غير النظامية”، إذ يضم الصف الذي يُعقد مرتين أسبوعياً لمدة ساعتين، أطفالاً آخرين منحدرين من السينغال ومالي.
يجلسون جنباً إلى جنب، ويتابعون كلمات معلمهم المغربي الحريص على تلقينهم اللهجة العامية المغربية ما قد يسهل عليهم عملية التواصل والاندماج بالمجتمع المغربي، فيما يدرسهم بعضا من الثقافة والعادات المغربية.
جيسّي، 14 سنة، غايون ذات 9 سنوات، ساكي ذو الـ 11 عاما، وغيرهم، أطفال أبناء لمهاجرين أفارقة وجدوا أنفسهم على الأراضي المغربية، يرغبون في عيش كريم ويحلمون بغد أفضل ومقعد دراسي بمدرسة عمومية مغربية وساعات طويلة وممتعة من التحصيل والتعلم.
في سوريا: ثلث السكان يعيشون في مجتمعات ملوثة بالذخائر غير المنفجرة.
…
“عندما يقع انفجار قوي أحضنهم جميعاً كي لا يهربوا من الخيمة رعباً، نحضن بعضنا البعض كي نخفف التوتر، وبعد ذلك أتابع الدرس، متجاوزين الموقف”….
مايو 22, 2024