“نداء القلب”: مصور نمساوي يقدم المساعدة والبهجة للأطفال اللاجئين السوريين

جلجامش نبيل

نبذة: تقدم منظمة قافلة الإنسانية Caravan of Humanity، وهي منظمة نمساوية غير حكومية، المساعدة والدفء والفرح للأطفال السوريين اللاجئين في لبنان قبل حلول فصل الشتاء.

كانت مشاهد فرار طالبي اللجوء من النيران المستعرة التي دمرت أكبر مخيم للمهاجرين في اليونان على شاشة التلفزيون بمثابة نقطة تحول في حياة المصور النمساويباسكال فيولو.

في خريف عام 2020، دمرحريق ضخم مخيم موريا في جزيرة ليسبوس اليونانية، وهو مرفق مكتظ مصمم بالأصل لاستيعاب ما يقل عن 3,000 مهاجر، تاركًا 13,000 لاجئ بدون مأوى.

قال فيولو لـ Tiny Hand: “في ذلك الحدث، فقد آلاف الأشخاص خيامهم في غضون ساعات قليلة. لقد كان شيئًا جسيما للغاية جعلني أشعر بأن من واجبي القيام بشيءٍ ما حقًا. لقد جئتُ من بلد غني، ولم أفعل شيئًا لأجد نفسي هناك، لقد حدث ذلك بالصدفة. وبالصدفة أيضًا، وُلِد آخرون في أماكن أخرى”.

بهدف مساعدة اللاجئين، أسس فيولو قبل عام منظمة قافلة الإنسانية أو كارافان أوف هيومانيتي غير الحكومية وغير الربحية، وقد قاده عمله في المنظمة لزيارة اليونان والبوسنة والهرسك والحدود السورية التركية.

نداء القلب

في تشرين الثاني/ نوفمبر، دفع نداء داخلي من القلب فيولو لزيارة لبنان دون معرفة أي شيء عن الوضع هناك بشكل مباشر. مع وجود أكثر من 1.5 مليون لاجئ سوري هناك، يتواجد في لبنان أكبر عدد من اللاجئين لكل فرد على مستوى العالم.

قال فيولو: “كان لدي شعور قوي دفعني للمجيء إلى لبنان. لم تكن لدي معلومات حاسمة. لقد سمعت فقط عن الوضع هنا. إذا كان لديك شعور قوي في قلبك، عليك فقط أن تتبعه، لأن القلب يقول الحقيقة في العادة”.

برفقة شاحنة تحمل 15,000 كيلوغرام من التبرعات التي قام بجمعها وفرزها 100 شخص في النمسا، أمضى فيولو وفريقه من المتطوعين ثلاثة أسابيع في توزيع الملابس والأحذية والبطانيات والحقائب المدرسية وغيرها من الأشياء على الأطفال في عشرة مخيمات للاجئين في وادي البقاع، وعرسال، وهي بلدة إلى الشمال الشرقي من بيروت، وعكار في أقصى شمال لبنان.

قال: “كنا نوزع الملابس والأحذية لتسهيل أمر هؤلاء الأطفال، خاصة مع قدوم الشتاء، إذ يمكن أن يصبح الجو باردًا جدًا في غضون أسابيع قليلة”.

مع درجات الحرارة ما دون الصفر والبرد والثلج، يمكن أن تشهد منطقة البقاع فصول شتاء قاسية للغاية. أضاف فيولو: “نريد مساعدتهم في الحصول على وقود الديزل للمساعدة في تدفئة خيامهم. ظروف المعيشة هنا مروعة حقًا”.

مهرجون بلا حدود: مرح بلا حدود

بعد أن جرّبوا النزوح وفقدان أحد الوالدين أو أحد الأقارب والظروف المعيشية القاسية في خيمة واختبروا ويلات الحرب، يعتقد فيولو أن الأطفال اللاجئين يحتاجون إلى ما يتجاوز الدعم المادي فحسب.

قال لـ Tiny Hand: “بالنسبة لهم، يعتبر قضاء بضع لحظات من الضحك والفكاهة وأن تكون طفلًا، مثل أي طفل عادي، أمرًا مهمًا للغاية”.

لرسم ابتسامات صغيرة على وجوههم وتقديم الفكاهة كوسيلة للدعم النفسي للأطفال الذين عانوا من الصدمات، اصحطب فيولو معه بعض الفنانين والمهرجين الألمان وفناني الفقاعات في رحلته إلى مخيمات اللاجئين في لبنان.

قال: “بعض هؤلاء الفنانين من معارفنا القدامى، وآخرون سمعوا مؤخرا عن المشروع ورغبوا في الانضمام. وبعضهم محترفون، مثلمهرجون بلا حدود، وهي جمعية كبيرة تغطي 15 دولة.”

وتابع: “لا يتعلق الأمر بالسترات والبلوفرات التي تم إحضارها، بل بمشاركة تلك اللحظات الخاصة من الفرح والضحك”.

الانجماد حتى الموت: مأساة أطفال سوريا

بعد أن زار عددًا من مخيمات اللاجئين الأخرى في العديد من البلدان، يرى فيولو أن جميعها تبدو متشابهة وفريدة في ذات الوقت. وضّح قائلا: “لكل مخيم طابعه الفريد؛ بعضها كان صغيرا والبعض الآخر ضخم؛ وكان البعض منها هادئًا جدًا، والبعض الآخر كان صاخبًا حقًا”.

بعيون المصوّر الفوتوغرافي، يرصد فيولو ما يتم تجاهله في الغالب. قال: “من الصعب دائمًا رؤية عشرة أشخاص يعيشون في خيمة صغيرة، من دون أن يمتلكوا أي شيء. أميل إلى تفحص أحذيتهم؛ البعض يرتدي أحذية أو صنادل خمس مرات أكبر أو أصغر من مقاس أرجلهم. أستطيع تخيّل وضعهم مع هذه الأحذية الرديئة عندما يحل الشتاء ويغطي الثلج الجبال. هذا أمرٌ مروع لأن العالم يمتلك ما يكفي من الأحذية والطعام ليتم تقاسمه على قدم المساواة”.

يقرّ فيولو أن 15,000 كيلوغرام من التبرعات غير كافية. قال: “قد يخدم ذلك 1,000 أو 2,000 طفل، لكنه يمكن أن يحدث فرقًا”.

في عرسال، استمع فيولو وتسعة من أعضاء فريقه إلى قصة مأساوية لفرار رجل وامرأة سوريين من القصف الذي طال قريتهم في سوريا، متجهين نحو الحدود متبوعين بطائرة تلقي عليهم القنابل. قُتل العديد من أصدقائهم في ذلك الحادث مخلفين وراءهم النساء والأطفال.

قال: “سمعتُ أيضًا عن بعض الأطفال الذين ماتوا في الشتاء. كان هذا مفجعًا وتركني عاجزًا عن الكلام. لم أسمع بقصص مرعبة على هذا النحو في المخيمات الأخرى”.

يلقي فيولو باللوم على الدول الغنية ويستخدم طاقة غضبه لفعل شيء ما. أوضح قائلاً: “هذا أفضل من الجلوس وحيدًا وحزينًا في الغرفة في النمسا وأنت تشعر بالغضب من السياسيين وعدم المساواة العالمية”.

العزيمة والمعجزات

كمواطن عالمي يكره الحدود والأسوار، يعتقد فيولو أن من الضروري أن تقدّم أوروبا وغيرها من البلدان الغنية جدًا المزيد من الدعم للسوريين وغيرهم. قال: “نحاول مساعدة لبنان في هذه الأوقات العصيبة من الأزمة المالية؛ نحتاج إلى مساعدة اللبنانيين والفلسطينيين الذين يعيشون هنا منذ عقود والسوريين الذين فروا من الحرب. من واجبنا المجيء إلى هنا، أشعر بارتباط كبير بهذا المكان”.

لكن إيصال التبرعات إلى لبنان لم يحدث من دون عوائق. قال لـ Tiny Hand: “جعلتنا الجمارك اللبنانية ننتظر لأيام، وكلفتنا الكثير من المال، وطرحوا علينا الكثير من الأسئلة، ولم يرغبوا في السماح بدخول شاحنتنا. وبالمثل، علقت شاحنتنا على حدود تركيا لمدة ثلاثة اسابيع.”

وتابع يقول: “إذا فكرنا كثيرًا، فلن نفعل أي شيء أبدًا. لقد كنا بحاجة إلى معجزة. بدون معجزات، ستبقى في سريرك تشاهد الأفلام. أعتقد أن بإمكاننا تغيير العالم معًا. علينا فقط أن نتحلى بالصبر، وألاّ نستسلم أبدًا، وسوف ننجح ذات يوم”.

جازف واهزم الخوف!

طوال سِني حياته، اتبع فيولو عقله في حياته المهنية في مجال التصوير الفوتوغرافي. قال: “كنت أستشير عقلي حول كيفية اختيار موضوع جيد لتغطيته أو مهرجان مسلٍ. الآن، هذه هي المرة السادسة التي أتبع فيها قلبي عوضًا عن ذلك.”

بالنسبة لفيولو تعتبر مشاركة الوقت والضحك والموسيقى مع الأشخاص الذين يمرّون بمواقف عصيبة أمر ثمين للغاية. قال: “لقد منحتني الأسابيع الثلاثة الماضية التي قضيناها في لبنان إحساسًا قويًا بأنني اتخذت القرار الصائب لتلبية نداء قلبي الذي تلقيته العام الماضي. لقد توقفت تقريبًا عن العمل الذي قمت به لمدة 15 عامًا. لا أحصل على شيء مادي من هذا العمل، لكنه مهم”.

يبدي فيولو إعجابه بأولئك المستعدين للتضحية بحياتهم من أجل قضية بعينها. قال: “هذا أمرٌ قوي جدا. قد يكون الأمر صعبًا بالنسبة لنا جميعًا، لأن لدينا العديد من الالتزامات، ولكن إذا ما ركزت على شيء واحد، فسوف تحقق الكثير”.

في رحلاته لمساعدة اللاجئين، التقى فيولو بأشخاص تركوا وظائفهم وكرسوا حياتهم لمساعدة الناس وهم على ثقة بأن الحياة تستمر طالما أنهم يساعدون الآخرين. قال: “لا يستطيع الكثير منا اتخاذ القرار بسبب الخوف؛ الخوف من فقدان الوظيفة أو الذهاب إلى منطقة نزاع. الحياة قصيرة وخطيرة وصعبة ومعقدة، لكن يجب علينا أن نهزم الخوف ونقدم على المخاطرة.”