“الكلمات السحرية” مشروع سوري يعرّف الأطفال على آثار بلادهم

لم تشأ المعمارية السورية لميس قداح أن تقف مكتوفة الأيدي أمام أطفال سوريا ممن وجدوا أنفسهم في بلاد الشتات حول مختلف دول العالم، منتفضة في وجه هذا الواقع ومُتبنّية مشروعا خلاّقا يرمي إلى تعريف هؤلاء الأطفال بوطنهم الأم وتاريخه العريق.

“تخرجتُ عام 2010 من كلية العمارة ودخلت رحلة بطيئة أبحث فيها عن هدفي أو رسالتي التي يجب أن أقدمها، خلال هذه الرحلة عشت صراعا ما بين حبي للعِمارة وما بين الواقع الصعب لإيجاد عمل يحقق طموحي. لأجد نفسي بمسار مختلف تماماً لم أفكر به من قبل: كتابة قصة أطفال وتصميمها”، بهذه العبارات عرّفت لميس قداح نفسها لـ “tiny hand”.

كونها معمارية وأم، فإن إحساساً ما كان يدفعها لتقوم بما قالت إنه “واجبها تجاه أطفالها المستقبليين وأطفال سوريا بتعريفهم بوطنهم عسى أن يكون لهم يد في بنائه في المستقبل القريب”.

الشابة السورية الطموحة، صمَّمت كتابا كوسيلة تعليمية وترفيهية للأطفال في محاولة للتعريف باللغة الإيبلاوية القديمة.

عبر هذا الكتاب يستطيع الأهل والمعلمون استخدام الكتاب كقصة واستخدام المعلومات المرفقة للتعريف بمدينة “إيبلا”، ويستخدم المعجم لمساعدة الأطفال والأهل لربط الكلمات بمعانيها كما يوجد في النهاية نشاطان ترفيهيان لمساعدة الأطفال على ربط الكلمات عن طريق اللعب.

ومملكة “إيبلا” هي مملكة قديمة تقع شمال غرب سوريا، كبرت وازدهرت عام 2500 قبل الميلاد.

إيبلا.. عراقة التاريخ 

 بدأت فكرة مشروع لميس، بتقديم محتوى تعليمي للأطفال يعرفهم بتراثهم وتاريخهم، إلا أن هذا المشروع ضخم جداً لينفَّذ خلال سنتين ومن قبل شخص واحد؛ لذلك ارتأت المعمارية السورية المستقرة بتركيا أن البداية ستكون بتصميم وتأليف قصة للأطفال تهدف إلى تعريفهم ببعض الكلمات الإيبلاوية عن طريق رواية قصة.

ولأنها المرة الأولى التي تعمل فيها لميس على تأليف قصص الأطفال، فإن دافعها كان أكبر من أجل العمل والبحث في قصص الأطفال لمحاولة فهم محتواها وما يميزها، لتقرر بعدها أن يكون الكتاب عن مدينة “إيبلا” لأهميتها التاريخية وقلة المواضيع حولها.

“تعاونتُ مع باحثين وعلماء آثار عملوا في مدينة “إيبلا” وتعرفت على العديد ممن كان لهم مشاريع تخص المدينة ليكون العمل متكاملا، تمت بعد ذلك طباعة كتاب الكلمات السحرية الذي يُعرِّف الأطفال بمدينة “إيبلا” وبلغتها الإيبلاوية والتي تعد أقدم لغة مكتوبة في سوريا وتضم أقدم معجم” تقول قداح لـ”tiny hand”.

الكتاب طُبع حالياً في نسختين، نسخة باللغتين العربية والتركية ونسخة ثانية باللغتين العربية والألمانية، ثم امتد المشروع ليتحول إلى شريط فيديو وموقع إلكتروني يضم ألعابا تفاعلية لتعليم الأطفال الكلمات الموجودة في الكتاب.

والكتاب هو جزء من مشروع أكبر ممول من قبل منظمة “الغردا هنكل” الألمانية ووزارة الخارجية الألمانية بإشراف مركز الآثار الألماني في اسطنبول تحت عنوان رعاة التراث الثقافي  Stewards of cultural heritage .

 والهدف من المشروع تمويل خمسة مشاريع بهدف دعم الآثاريين والمعمارين السوريين في إسطنبول، وكان كتاب لميس قداح أحد هذه المشاريع، وتمت الموافقة عليه كونه الوحيد المقدم للطفل ولإيمانهم بأهمية الفكرة وتوعية الأطفال وتعليمهم عن سوريا.

ربط الأطفال السوريين بوطنهم

تحلم لميس، بربط الأطفال السوريين بوطنهم وتعريفهم على إرثه وآثاره بعرض الوجه الآخر لسوريا التي لم يعرفوها ولم يروها في العقد الأخير من الزمن، بعد أن خرج منها أطفالها بطريقة محزنة والكثير منهم لم يعرفها أو يزرها.

في نظر صاحبة المشروع، يبقى الواقع الذي يمر به السوريون أكبر دافع إضافة إلى الرغبة الكبيرة في الحفاظ على التراث السوري، تقول قداح: “شعرت بالواجب اتجاه أطفالنا والجيل القادم بتعريفهم على تاريخنا وإعطائهم فكرة عن الدمار الذي تعرضت له الآثار السورية والسرقة التي تعرضت لها الكثير من القطع الأثرية”.

وعلى الرغم من توقف المشروع حاليا، إلا أن الأمل يحذو لميس قداح باستمراره وتطويره، طامحة في تقديم منصة تضم العديد من المعلومات والنشاطات والقصص التي تعرف الأطفال بتاريخهم، وتضم مساهمات من فنانين وكتّاب ومعماريين وآثاريين وكل من هو مهتم بتقديم محتوى جديد.

وختمت الشابة السورية المقيمة في إسطنبول حديثها لـ”tiny hand”، قائلة إن ” أطفالنا بحاجة لأن يرتبطوا بهويتهم، وأمنيتي أن يتشكل وعي لدى الأهالي بأهمية تعريف أولادهم بوطنهم الأم عسى أن يعودوا إليه يوما ويشاركوا في بنائه من جديد وحفظ رونق تاريخه وجمال آثاره”.