ماجدة آيت لكتاوي
أطفال من جميع الأعمار يتحلَّقون حوله، عيونُهم مشدودة اتجاهه فيما خيالهم يسرح مع كلماته الساحرة وعباراته الأخَّاذة.
هيثم شكري، حكواتي مصري، شاب لا يتأخر في حمل حقيبة ظهره والسفر إلى أماكن بعيدة، نحو بوادي وقرى ريفية حيث يتجدَّد لقاؤه بالأطفال، إنها مُتعتُه وشغفه اللذان لا يُقدَّران بثمن، لينطلق في سرد حكاياته الشيقة.
ينتظر أطفال القرى بفارغ الصبر أن يهل عليهم صديقهم الحكواتي، فمعه لا يسمعون حكايات مبهرة وفقط بل ويشاركون في صياغتها وتطوير أحداثها ووضع نهاياتها، يتفاعلون مع أبطالها ويصدقونهم ويتعاطفون معهم، يميزون بين طيبهم وشريرهم ويعرفون الخطأ والصواب، لتنطلق الدروس والعِبَر من أفواه الأطفال تتبعُها القهقهات والضَّحكات.
يعود الحكواتي هيثم إلى سنوات طفولته الأولى، ويحكي لـ “Tiny hand”، عن ذكرياته رفقة جدته رحمها الله وحكاياتها الرائعة والممتعة، يقول “كنت أضع رأسي على رُكبتها وتستمر في الحكي، كانت لحظات لا تقدر بثمن، كان الموضوع يكبر في وجداني ويتعمق إلى أن صار أفراد عائلتي يرافقونني نحو المكتبات العامة، وبدأت أقرأ وأحكي بدوري للناس”.
تتجلى مبادرة الحكواتي هيثم شكري، في عمله على الوصول للأطفال في القرى والمداشر، لكَسر فكرة المركزية، يُنسّق قبلا مع أناس من سكان المنطقة لتجميع الأطفال، ليحبِّبهم في الكتاب بشكل تفاعلي ويشجعهم على القراءة، “لأقوم بهذا الأمر يجب أن نحكي ونلعب ونضحك، وعبر هذه التفاصيل نُوصل أمورا كثيرة، أحاول تشجيع الأطفال على القراءة وأحاول الوصول للناس خارج العواصم، ولأجل ذلك أسافر منذ عام 2000 نحو أماكن متنوعة، مدارس ونوادٍ ومستشفيات وأماكن مفتوحة ودور أيتام ..”.
من أجل أن يصل الحكواتي ومصمم ومنسق أنشطة أطفال لهدفه، يقوم بإدماج الفنون البصرية والأدائية المختلفة مع الحكي والسرد، لكي يخلق مساحة من التفاعل، والغرض الأكبر أن يجعل الأطفال يتحوَّلون من مجرد مُتلقِّين إلى عُنصر فعَّال وأساسي داخل الحكاية، يشكلون تفاصيل الحكايات ويؤدونها ويضحكون ويشخصون.
الحكواتي هيثم شكري، قدم الكثير لأطفال مصر ولا يزال في جُعبته الكثير، يقول عنه أحد أصدقائه: “هيثم اشتغل مع واحد من أهم المراكز الثقافية في الشرق الأوسط “معهد جوتة الألماني”.. كان بيلِف(يجوب) قرى مصر.. شرقها وغربها.. شمالها وجنوبها عشان يقرا ويحكي مع الأطفال ويلعب معاهم ويطلَّع الضحكة من جُوّه(داخل) القلب”.
ويتابع المتحدث: “هيثم كان متوفر له عربية (سيارة) من أجمل العربيات الخاصة بالمكتبات المتنقلة في الشرق الأوسط ولما الجهة المانحة توقفت عن تمويل السيارة.. شال شنطته(حمل حقيبته) على كتفه وفيها كتبه وألعابه ولا سأل عن تمويل ولاهمه هو هيروح للعيال(الأطفال) راكب ولا ماشي… المهم أنه يوصل للعيال ويرمي نفسه وسطهم ويعيش معاهم الحدوتة ويطلع بقلوبهم وخيالاتهم للسما السابعة”.
لا سن محددا للأطفال ممن يُسمح لهم بحضور الأنشطة التي يقوم بها الحكواتي هيثم، فالجميع مرحب به، حيث يعمل الشاب في أماكن مفتوحة في الشارع وفي الأزقة والحارات، فيكون من الوارد أن يحضر الأخ الأكبر مرفوقا بالأصغر سنا، يراعي الحكواتي هذا الأمر خلال سرد الحكايات، ونفس الأمر علاقة بالألعاب التفاعلية الظريفة المعتمدة على العمل الجماعي حتى تكون ألعابا مناسبة لكل الفئات العمرية الموجودة، حيث يتم تقسيم الأطفال الحاضرين لمجموعات صغيرة يقرؤون كتابا ويلعبون ألعابا، ويُطوِّرون أهمية العمل الجماعي ولو بطريقة غير مباشرة.
يحرص هيثم على أن تصل الرسائل للأطفال عبر أبطال الحكايات، يقول لـ “Tinyhand” “أتكلم في موضوع عام أو في أحداث تجري أطوارها حولنا أو أحد المسؤولين مثلا يخبرني أن الأطفال يُعنفون بعضهم أو لا يشتغلون معا كفريق أو لا يحافظون على نظافة المدرسة، أبحث عن حكاية تتحدث عن هذا الموضوع ونتناقش في المشكلة التي يعانون منها”.
يغوص الأطفال في الحكايات وعوالمها ويصدقون الأبطال، خاصة حين يكون الحَكيُ بطريقة صادقة يقتنعون، يُطلَب من الأطفال أن يُدْلوا بآرائهم أو يحلِّلوا شخصية من شخصيات الحكاية، حيث تُخلق لهم المساحات ليقولوا هل ذاك التصرف غلط أو صح.
يؤكد الحكواتي المصري، أن أكثر الأمور التي تؤثر في الأطفال ونفسياتهم هي مسألة الضحك، موضحا “حين تخلق مساحة من البهجة نستطيع أن نشتغل مع الأطفال بكل سلاسة خصوصا حين يكون الضحك واقعيا وليس مبالغا فيه”.
أما عن تجاوُب الأطفال فيكون بعدد من الأشكال، وحين يعود هيثم لنفس المكان ولو بعد سنة، يذكر الأطفال القصة بكل تفاصيلها حرفيا عبر تجاوُبٍ طويل الأمد.
يخطط هيثم شكري لاستكمال مشواره، إنه متنفسه الوحيد، يقول في هذا الصدد: “أحب أن أحكي وأن أسافر، من 2013 إلى 2018 كنت مسؤولا عن مكتبة متنقلة جُلتُ بها مصر كاملة، وبعد أن توقف تمويل المشروع أصبحت أضع حقيبتي على ظهري أحمل فيها كتبا وألعابا وأسافر”.
يتمنى المتحدث أن تُتاح فرصة كالمكتبة المتنقلة، حتى يستطيع أن يصل بها إلى أماكن كثيرة، وأن يُكوِّن شبابا آخرين حتى لا تقف الفكرة عنده، مُعتبرا أن الاستدامة أمر في غاية الأهمية حتى يستطيع حكواتيون كُثر تغطية كل شِبر في القرى والمدن.
رغم كل الصعوبات التي تواجه الحكواتي الشاب وآخرها جائحة “كورونا” التي أوقفته عن جولاته وزياراته للأطفال لفترة، إلا أنها خلقت مساحة في تغيير البرامج التي يقدمها لتصبح “أونلاين”، نجاح الفكرة جعلته يفكر في تحويل برامجه حتى تصلح للعرض عن بُعد.
وبسبب افتِقاده للتفاعل المباشر مع الأطفال، عاد هيثم أكثر قوة ونشاطا وأصبح يبحث عن قرى وأماكن جديدة في الصعيد والدلتا وغيرها، طامحا في المستقبل القريب أن يجدد التواصل بأكبر عدد من الأطفال وأن يراهم دائما ضاحكين مبتسمين.