شراء طفل من السوق السوداء في نيروبي

التقرير من:  BBC

في مكان ما، يبلغ ابن ريبيكا العاشرة من العمر، يمكن أن يكون في نيروبي، حيث تعيش، أو يمكن أن يكون في مكان آخر.

 آخر مرة رأت لورانس يوشيا ابنها الوحيد كانت تبلغ من العمر 16 عاماً،

 لقد جعلني أماً، لقد بحثت في كل مركز للأطفال، ولم أجده حتى يومنا هذا.

قصة لورانس ليست الوحيدة، تفاصيل مماثلة تحصل في شوارع نيروبي حيث يختفي الطفل فجأة دون أي أثر.

فقد اختفى ابن إستر البالغ من العمر ثلاث سنوات في أغسطس 2018. تقول أمه “لم أشعر بالسلام منذ أن فقدت طفلي، لقد بحثت عنه طوال الطريق إلى مومباسا.”

كما مرت خمس سنوات منذ اختطاف ابن كارول البالغ من العمر عامين في منتصف الليل. وقالت “لقد أحببته كثيراً، أود أن أسامحهم إذا أعادوا لي طفلي”.

تتعرض النساء المستضعفات للانتهاك في نيروبي باستغلالهن في السوق السوداء المزدهرة بتجارة الأطفال الرضع.

 ويجري البيع غير المشروع في عيادات الشوارع وتتم سرقة الأطفال للبيع في مستشفى كبير تديره الحكومة.

وفي محاولة لفضح أولئك الذين يسيئون استخدام المناصب الحكومية، رتب فريق التحقيق في بي بي سي طلباً لشراء طفل من مسؤول المستشفى، الذي استخدم أوراقاً مشروعة لتولي حضانة صبي يبلغ من العمر أسبوعين قبل بيعه للفريق بشكل مباشر.

تتولى أنيتا، التي تشرب الخمر بكثرة وتتعاطي المخدرات وتعيش في الشارع وتجني الأموال من سرقة الأطفال من نساء مثل ريبيكا حيث أنها تستهدف الأمهات اللاتي لديهن أطفال دون سن الثالثة.

وتعرف فريق بي بي سي على أنيتا من خلال صديقة لها اسمها إيما، أرادت عدم الكشف عن هويتها، بزعم أن أنيتا لديها أساليب مختلفة لخطف الأطفال في الشارع.

وقالت إيما “في بعض الأحيان ستتحدث إلى الأم أولاً، لمحاولة معرفة ما إذا كانت تعرف ما نخطط له”.

ثم تقوم بتخدير الأم وإعطائها حبوب منومة أو صمغ.

ولدى أنيتا الكثير من الطرق للحصول على الأطفال.

وبحجة الشراء أقام فريق التحقيق لقاء مع أنيتا في حانة في وسط مدينة نيروبي يرتادها الباعة المتجولون. وقالت أنيتا للفريق بأنها تعرضت لضغوط من رئيسها لسرقة المزيد من الأطفال، ووصفت لهم عملية اختطاف حديثة.

تقول ” لقدكانت الأم جديدة في الشارع، وبدت مرتبكة، ولم تكن على علم بما يجري، لقد وثقت بي وجعلتني أحمل طفلها والآن هو معي.”

قالت أنيتا إن رئيسها سيدة أعمال محلية تشتري الأطفال المسروقين وتبيعهم من أجل الربح.

وتضيف أن بعض العملاء “سيدات يعانين من العقم، لذلك بالنسبة لهن هذا نوع من التبني”.

وبمجرد أن تبيع أنيتا طفلاً ، فإنها تعرف القليل عن مصيره.

وعن أسعارها تقول إنها تبيع البنت لسيدة الأعمال مقابل 50 ألف شلن والولد مقابل 80 ألف شلن– أي من 350 يورو أو 550 يورو. هذا هو المعدل السائد تقريبًا في نيروبي لسرقة طفل من امرأة في الشارع.

بعد وقت قصير من الاجتماع الأول مع فريق بي بي سي،  اتصلت أنيتا لترتيب لقاء آخر. وعند اللقاء كانت تجلس مع طفلة قالت إنها تبلغ من العمر خمسة أشهر وكانت قد اختطفتها للتو قبل لحظات، بعد أن كسبت ثقة والدتها.

وقالت “لقد أعطتني إياها لثانية وهربت بها”.

وقالت أنيتا إن لديها مشتر يريد الفتاة مقابل 50 ألف شلن. وفي إطار المساومة عرض عليها الشراء بـ 80 ألفاً.

فقالت “هذا جيد”، دعونا نبرم الصفقة ليوم غد.”

وتم تحديد موعد الاجتماع في الساعة 5 مساءً. ونظراً لأن حياة طفل كانت في خطر أبلغ فريق بي بي سي الشرطة، التي رتبت عملية لاعتقال أنيتا وإنقاذ الطفلة، بمجرد أن قابلها المشتري. كان من المحتمل أن تكون هذه هي الفرصة الأخيرة لتأمين هذه الطفلة قبل أن تختفي.

لكن أنيتا لم تحضر أبداً وعلى الرغم من المحاولة لأيام لم يتمكن فريق بي بي سي من العثور عليها. 

وبعد أسابيع، تعقبتها إيما من فريق التحقيق فأخبرتها أنها وجدت سعراً أفضل. فباعت الطفلة واستخدمت الأموال لبناء منزل من غرفتين من الصفيح في أحد الأحياء الفقيرة بالمدينة، واختفت الطفلة.

 ولا يزال لدى الشرطة ملف مفتوح عن أنيتا.

لا توجد إحصاءات موثوقة عن الإتجار بالأطفال في كينيا، لا توجد تقارير حكومية ولا دراسات استقصائية وطنية شاملة.

وتعاني الوكالات المسؤولة عن العثور على الأطفال المفقودين وتتبع السوق السوداء من نقص الموارد والموظفين.

ولا تجد الأمهات اللاتي تعرض أطفالهن للاختطاف إلا القليل من المساعدة مثل “الأطفال المفقودين في كينيا” وهي  منظمة غير حكومية أسستها ماريانا مونييندو وتديرها الآن.

وقالت مونييندو إن المنظمة عملت خلال أربع سنوات من عملها على حوالي 600 حالة.

وأضافت “هذه مشكلة كبيرة في كينيا ولكن لم يتم الإبلاغ عنها، إن هذه القضية لم تعط الأولوية في خطط العمل للاستجابة للرعاية الاجتماعية”.

ويرجع ذلك إلى أن هذه جريمة يميل ضحاياها إلى أن يكونوا نساء ضعيفات لا صوت لهن مثل ريبيكا، نساء لا يملكن الموارد أو رأس المال الاجتماعي لجذب انتباه وسائل الإعلام أو دفع السلطات إلى اتخاذ إجراء.

تعمل عصابات الاتجار بالأطفال داخل جدران بعض أكبر المستشفيات الحكومية في نيروبي.

وتواصل فريق بي بي سي من خلال أحد المصادر،  مع فريد ليباران، أخصائي اجتماعي إكلينيكي في مستشفى ماما لوسي كيباكي.

تتمثل مهمة ليباران في حماية رفاهية الأطفال الضعفاء المولودين في ماما لوسي، لكن مصدر الفريق قال إن ليباران متورط بشكل مباشر في التهريب. ورتب المصدر للقاء ليباران، وأخبره أنه يعرف امرأة ترغب بشدة في شراء طفل بعد فشلها في الإنجاب.

وأجاب ليباران “لدي طفل في المستشفى، لقد أنجب قبل أسبوعين ولم يعودوا له”.

ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يرتب فيها ليباران بيع طفل.

وقال ليباران في الاجتماع الذي سجله فريق التحقيق خفية عنه “أخافتني الحالة الأخيرة” مضيفاً  “لنفترض أننا نفعل ذلك، فأنا أريد خطة لن تسبب لنا مشاكل فيما بعد”.

في الوضع الطبيعي يجب أن يتم اصطحاب الأطفال مثل الطفل الذي تم التخلي عنه من قبل ليباران إلى دار الأطفال الحكومية بينما يتم وضعهم رسمياً مع الآباء بالتبني الذين خضعوا لفحوصات الخلفية والرعاية الاجتماعية. 

لكن عندما يتم بيعهم بشكل غير قانوني من قبل أشخاص مثل ليباران، لا أحد يعرف حقًا أين سينتهي بهم الأمر.

وانتحلت امرأة من فريق التحقيق اسم روز، وهي مراسلة متخفية وقابلت ليباران في مكتب قريب من المستشفى، فطرح ليباران بعض الأسئلة السريعة حول وضع روز، فقالت إنها متزوجة لكنها لا تستطيع الحمل، وتتعرض لضغوط من أسرة زوجها للولادة.

وسألها “هل جربت التبني؟” فأجابت روز “لقد فكرنا في الأمر ولكن يبدو أنه معقد بعض الشيء”.

مع ذلك، وافق ليباران، وقال سيكون السعر 300 ألف شلن – أي 2000 يورو.

وقال لروز والوسيط “إذا مضينا قدما في هذه الصفقة، فسنكون نحن الثلاثة فقط. أنا وأنت وهو” موضحاً “مشكلتي هي الثقة في شخص ما. إنها مخاطرة كبيرة. إنها تقلقني كثيراً”.

وقال إنه سيكون على اتصال لترتيب عملية البيع.

وإضافة إلى الخاطفين في الشوارع مثل أنيتا والمسؤولين الفاسدين مثل ليباران، هناك طبقة أخرى لأعمال الاتجار بالأطفال في نيروبي تنتشر في بعض الأحياء الفقيرة في المدينة، يمكنك العثور على عيادات الشوارع غير القانونية مع غرف الولادة للأمهات الحوامل. هذه العيادات المؤقتة هي موقع معروف لتجارة الأطفال في السوق السوداء.

ومن خلال العمل مع الصحفية المحلية جوديث كانيثا من راديو غيتو، اقتربت من عيادة في حي كايولي في نيروبي، موطن الآلاف من أفقر سكان المدينة. وفقاً لكانيثا، تزدهر تجارة الأطفال في كايولي.

العيادة التي تم الاتصال بها تديرها امرأة تعرف باسم ماري أوما، وقالت إنها عملت ممرضة في بعض أكبر مستشفيات نيروبي. وتظاهرت كانيثا بصفتها مشتري.

داخل العيادة، كانت امرأتان في حالة مخاض بالفعل.

قالت أوما وهي تهمس “هذه، حامل في شهرها الثامن ونصف الشهر، وهي على وشك الولادة” عرضت بيع الطفل الذي لم يولد بعد إلى كانيثا مقابل 45 ألف شلن أي 315 يورو.

لم يبدو أن أوما قلقة بشأن رعاية الأم بعد الولادة. فقالت وهي تلوح بيدها: “بمجرد أن تحصل على نقودها، ستذهب أوضحنا أنهم لن يعودوا أبداً”.

وكانت أداما هي المرأة التي تلد في العيادة في ذلك اليوم والتي كان يتم التفاوض على طفلها الذي لم يولد بعد.

لقد كانت أداما مفلسة مثل ريبيكا، تم هجرها وكلفها الحمل وظيفتها في موقع بناء عندما لم تعد قادرة على حمل أكياس الأسمنت الثقيلة. فمنحها صاحب المنزل مدة ثلاثة أشهر، ثم طردها.

لذلك قررت أداما بيع طفلها ولم تكن ماري أوما تعرض عليها 45 ألف شلن التي كانت تحاول تحصيلها من المشتري بل أخبرت أداما أن الصفقة كانت مقابل 10 آلاف أي 70 يورو فقط.

وقالت أداما في مقابلة لاحقة في قريتها “كان مكانها متسخاً كانت تستخدم وعاءاً صغيراً للدم، وليس لديها حوض، والسرير غير نظيف لكنني كنت يائسة ولم يكن لدي خيار”.

وقالت أداما إنه في اليوم الذي دخلنا فيه إلى العيادة، حثتها ماري أوما للتو، دون سابق إنذار، على تناول أقراص لتبتلعها. كان لدى أوما مشتر وكان حريصًا على إجراء عملية البيع.

لكن الولادة لم تكن سلسة كان الطفل يعاني من مشاكل في الصدر وطلبت أوما من أداما أن تصطحبه إلى مستشفى ماما لوسي لتلقي العلاج. بعد أسبوعين، خرجت أداما مع الطفل.

في العيادة، تم إتمام الأمور وقالت “قالوا إن الطفل بدا بخير وإذا أراده العميل فسيؤخذ على الفور”.

واتخذت أداما خياراً مؤلماً لبيع طفلها. ثم أعادت النظر.

وقالت في وقت لاحق: “لم أرغب في بيع طفلي إلى شخص لا يستطيع الاعتناء به، أو لشخص يشتري الأطفال ليستخدمهم في أشياء أخرى”.

لذلك غادرت أداما العيادة في ذلك اليوم وهي تحمل طفلها الرضيع.بدلاً من ذلك، تركته في مستشفى الأطفال الذي تديره الحكومة، حيث كان ينتظر الآباء بالتبني، وكانت تأمل في حياة أفضل له.

لم تحصل على المال الذي تحتاجه. وتعيش الآن بمفردها بعيداً عن نيروبي، وأحيانًا تحلم بابنها وتستيقظ في الساعات الأولى وتفكر فيه.

اتصل فريد ليباران، الأخصائي الاجتماعي السريري في المستشفى الحكومي، ليقول إنه تعرف على طفل رضيع تخلت عنه والدته وأنه يريد أن يسرقه من أجل فريق التحقيق المستخفي.

كان الصبي واحداً من ثلاثة أطفال في المستشفى ينتظرون نقله إلى منزل قريب للأطفال. كانت مهمة ليباران ضمان وصولهم إلى هناك بأمان.

لكن ليباران علم أنه بمجرد مغادرة الأطفال لمستشفى ماما لوسي، كانت هناك فرصة ضئيلة لأن يتحقق أي شخص هناك من وصولهم إلى المنزل.

وفي المستشفى، ملأ ليباران الأوراق اللازمة وأجرى محادثة قصيرة مع الموظفين، الذين لم يكن لديهم أدنى فكرة عن سرقة طفل وهم تحت المراقبة.

وكانت روز، المراسلة السرية، تنتظر في سيارة بالخارج. وأخبر ليباران ممرضات المستشفى أنها تعمل في دار الأطفال وطلب منهم أخذ الأطفال إليها.

بدا قلقا بشكل متزايد، لكنه أكد أن الممرضات لن يتابعوهم.

وقال “لا، لا يمكنهم ذلك ، فلديهن عمل يقومون به”، ثم حث الفريق على المغادرة بسرعة. وقال “إذا واصلنا الحديث مثل هذا فقد يشتبه أحد”.

بعد لحظات، خرج الفريق من مستشفى ماما لوسي مع ثلاثة أطفال رضع في السيارة وتعليمات لتسليم اثنين منهم فقط إلى منزل الأطفال.

ومن هناك، يمكن أن يذهب الطفل الثالث إلى أي مكان.

قام الفريق السري بتسليم جميع الأطفال الثلاثة بأمان إلى المنزل، حيث سيتم الاعتناء بهم حتى يمكن ترتيب التبني الشرعي.

في وقت لاحق من بعد ظهر ذلك اليوم، اتصل ليباران بـروز لحضور اجتماع وأمرها بوضع 300 ألف شلن متفق عليه على الطاولة. وأمرها بمقابلة اختصاصي تغذية. وقال: “الشيء الوحيد الذي يجب الانتباه إليه هو علامة لقاح الصبي”.

واجهت البي بي سي فريد ليباران بشأن هذه الصفقة لكنه رفض التعليق. كما رفض المستشفى طلبات التعليق، ويبدو أن ليباران احتفظ بوظيفته.

كما أبلغ فريق التحقيق إحدى المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الأطفال عن عيادة ماري أوما غير القانونية في الشوارع في كايولي، والتي أبلغت بدورها الشرطة. لكن يبدو أن أوما لا تزال تعمل.

وأما أنيتا فاختفت مرة أخرى في الشارع.

وقالت ريبيكا “نريد جميعاً أن نكون أمهات لأطفالنا ليس ذنبنا نحن في الشوارع”.

وبالنسبة للأمهات اللواتي سرق أطفالهن، لن يكون هناك أي حل حقيقي.

يذهب معظمهم في طي النسيان، على أمل رؤية أطفالهن مرة أخرى، مدركات أنهن ربما لن يفعلن ذلك. وقالت ريبيكا ستعطي “كل شيء” لرؤية ابنها وإذا مات أود أن أعرف أيضاً”.

وقالت ماريانا مونييندو، من منظمة الأطفال المفقودين في كينيا “هناك فرصة واحدة من كل مليون أن ترى هؤلاء النساء أطفالهن مرة أخرى كثير من أمهات الشوارع أطفال، ويتم استغلالهن في ضعفهن”.

وقالت مونييندو إن الأشخاص مثل ريبيكا لم يُنظر إليهن في كثير من الأحيان على أنهن ضحايا متعاطفين للجريمة. “لكن لا ينبغي لأحد أن يفترض أن الناس في الشارع ليس لديهم مشاعر، وأنهم لا يستحقون العدالة. لديهم مشاعر. والطريقة التي تفتقد بها لطفلك إذا كنت تعيش في منطقة الضواحي هي نفس الطريقة التي تفتقد بها طفلك إذا كنت أما في الشارع “.

وينتهي المطاف ببعض الأطفال الذين سُرقوا من الشارع في تلك الضواحي.

وتفكر ريبيكا أحيانًا في النساء الأكثر ثراءً اللاتي دفعن مقابل ذلك – حول ما يلزم لتربية طفل تعرف أنه سُرق من شخص آخر.وتساءلت:”بماذا يفكرون؟” “كيف يشعرون؟”