رياض معزوزي/الجزائر
كان سيكون يوماً عادياً مثل غيره بالنسبة للطفل وائل شهاب الدين، يرتدي ملابسه المدرسية ويخرج من منزله في ولاية المسيلة جنوب الجزائر لينطلق باتجاه مدرسته.
الطفل الذي لم يتجاوز الثانية عشرة من عمره يدرك وعورة الطريق وصعوبة التنقل فيه، ولكنه على الأقل يرى أين تطأ قدمه ما يجنّبه التعثر أو الوقوع عكس ذلك الرجل المكفوف الذي صادفه ذلك اليوم، رجل كبير بالسن تعثر ووقع!
ذلك الأمر جعل وائل يتألم، وقرر أن يطوّر نوعاً من الأحذية تساعد المكفوفين وتسهل لهم التنقل على الطرقات الوعرة.
يعيش وائل رفقة عائلته المؤلفة من ستة أفراد، الوالدان، والأخوان والأخت، لطالما اعتادت هذه العائلة الاختفاء الطويل لوائل في غرفته، يمضي ساعات طويلة في تفكيك الألعاب وإعادة تركيبها، يقوم بإصلاح تلك التي تعطّلت، خاصة الألعاب التي تعتمد على الطاقة الكهربائية أو البطاريات القابلة للشحن.
يقول وائل لـ “Tiny Hand” إنني “أقضي معظم وقتي بين هذه القطع، وفي كثير من الأحيان أسهر لساعات متأخرة كي أنهي ما بدأت به، ولا يهدأ بالي إلا بعد إتمام المهمة”.
ولم يتوقف اهتمام هذا الطفل عند ألعابه، بل وصلت محاولاته لاكتشاف آلية عمل الأجهزة الالكترونية وكل تفصيل متعلّق بها، وهنا أيقن والده أنه طفله يملك الموهبة “وسيكون لديه مكانته بين أوساط المخترعين”.
انضم وائل إلى الجمعية الجزائرية المهتمة بالتكنولوجيا لتطوير قدراته في الابتكار، كل ذلك كي يصل في نهاية الأمر إلى تصميم حذاء ذكي للمكفوفين.
استغرق معه تنفيذ هذا الاختراع 3 أسابيع، لكنه قضى قبل ذلك عامين كاملين في “دراسة الفكرة، وإحاطتها بكل المتطلبات والتحديات الذي فرضه هذا الاختراع من تركيب ودمج المحتويات فيه”.
تجسيد الفكرة كانت في بداية الأمر عن طريق استغلال حذاء الوالد المستعمل، قام بتوصيله بكل الجزئيات التقنية المطلوبة، وأدوات التحسيس والاستشعار بالأخطار التي قد تصادف هذا الحذاء في الطريق.
وعن محتويات الحذاء يشر وائل “يحتوي الحذاء الذكي على قطعة الاردوينو “وهو لوح تطوير الكتروني” لوحة تجارب، حساس مسافة، جرس وأسلاك توصيل”.
يصدر الحذاء صوت الجرس بمجرّد وجود عائق على طريق الشخص الذي يرتدي الحذاء على مسافة تبعد 2 سم، حيث يعمل عن طريق الموجات فوق الصوتية.
وعن طاقة العمل ومدة الاستيعاب فيقول وائل “النظام مزود ببطارية صغيرة، يتم شحنها بشاحن خاص بالطاقة الكهربائية قبل الاستعمال، وفي حال شحنها بشكل كامل فيمكن للمكفوف أن يستعمل الحذاء لمدة قد تصل الى 3 أيام كاملة”.
بعد نجاحه في ابتكار حذاء ذكي يساعد المكفوفين في تنقلاتهم ويجنبهم الإصابات والحوادث، يطمح وائل إلى اختراع نظارات ذكية موجهة هي الأخرى إلى فئة المكفوفين.
اختراع النظارات الذكية بحسب وائل، لا يزال في مرحلة الدراسة والتفكير، من خلال المحتوى وكيفية التطبيق، وستكون الى حد كبير مشابهة لخدمة الحذاء الذكي من حيث التكنولوجيا والتركيبة، لكن ذات حجم مصغر وبفعالية أكبر.
يقول وائل “هذه النظارة سوف ترسل لفاقد البصر إشارات صوتية قريبة من الأذن في حال الاقتراب من أماكن الخطر، بعكس الحذاء الذي قد يصدر صوتاً مرتفعاً”.
حظي هذا المبدع الصغير بتحفيز جهات عديدة، بداية من والديه اللذين كانا السند الأول في خطوات الاختراع الأولى، إضافة الى التحفيزات التي تلقاها من قبل الأساتذة، سواء في التعليم الأكاديمي النظامي، أو من مدرسة جمعية الإبداع والإبتكار العلمي.
كما تلقى وائل تكريمات وتحفيزات من جهات رسمية، منهم الرئيس الجزائري الذي شارك في حفل تكريم للأطفال المبدعين ومن ضمنهم وائل.
حينها أخبره الرئيس في كواليس الحفل “يجب أن أراك هنا مرة اخرى لتتحفنا بإبداع آخر في الأيام القادمة” يقول وائل.
وائل الذي لا يزال طفلاً وضع نصب عينيه أحلاماً كبيرة في هذا المجال فهو يتمنى أن يصبح يوماً ما “نابغة” وبالفعل بدأ يشق طريقه في هذا المجال من خلال تلك المكانة التي خلقها لنفسه داخل جمعية الإبداع والابتكار العلمي في ولاية المسيلة والمتخصصة في مجال الإلكترونيات.
هذا الاهتمام والمكانة، لم ينسيا وائل تعليمه الأكاديمي، إذ أنه يحصّل علامات ومعدلات ممتازة، مذ كان في المرحلة الابتدائية، يقول”لم يؤثر اهتمامي بالابتكار في مشواري الدراسي، بل بالعكس، كان بين هذين المجالين تنسيق رائع وممتاز”.
ويوجه وائل رسالته للأطفال في مثل سنه، بعدم اهدار الوقت في الأمور غير المفيدة، كالألعاب الالكترونية وغيرها، واستثمار الوقت لما يخدم علمهم ومستقبلهم، خاصة في عالم اللغات والتكنولوجيا والاختراع.