رياض معزوزي/الجزائر
السبت 6 فبراير 2021 هو آخر أيام العطلة الشتوية في الجزائر، خرجت ايناس دراجي 6 سنوات رفقة أخويها التوأم مراد ومنار 4 سنوات للعب خارج المنزل، خرج الأطفال الثلاث ولم يعودوا، بل غرقوا تاركين والديهم وكل من يعرفهم أو من لا يعرفهم بحالة حزن وصلت حدّ الغضب!
الحادث وقع في مزرعة شرشالي المحاذية لحي موريتي أولاد بدلاج التابعة إداريا لمقاطعة السحاولة بالعاصمة الجزائر.
الاخوة الثلاثة وكعادتهم، خرجوا للعب بجوار البيت، حيث توجد مزرعة العائلة التي يقصدها الأطفال للعب.
عامر دراجي والد إيناس، مراد ومنار، يروي لـ tiny hand والدموع تكفكف من عينيه إن “الإخوة اعتادوا اللعب معاً، يخرجون ويعودون سوياً، كان حارسهم الأمين أختهم الكبيرة إيناس التي كانت تتأهب للعودة الى مقاعد الدراسة يوم الأحد 7 فبراير 2021 في الصف الأول من التعليم الابتدائي”.
يضيف “هذه المرة اختاروا اللعب بمزرعة العائلة القريبة من مقر السكن، داخل بركة تستعمل أساساً في السقاية، غرق في البداية التوأم مراد ومنار، فأرادت ايناس ورغم سنها الصغير أن تقدم يد المساعدة، لإنقاذ أخويها لكنها غرقت هي الأخرى”.
الاخوة الثلاث عادوا الى البيت على النعوش، بعدما تدخلت فرق الحماية المدنية التي أخرجت التوأم في البداية، كونهما كانا يطفوان على سطح البركة، فيما انتشل جثمان البنت ايناس من تحت الطمي المتراكم أسفل البركة.
يتذكر عامر تفاصيلاً من الليلة التي سبقت الحادثة، عندما كانت إيناس تساعد والدتها في تجهيز مائدة العشاء، “بسمتها وضحكاتها تملأ الأرجاء رفقة أخويها مراد ومنار” يقول عامر.
عامر يأبى مسح تلك اللحظة عندما وضعت إيناس ووالدتها صحن “الرشتة” (طبق محلي يصنع بعجينة ممرقة بالدجاج)، ونادت عليه “العشاء جاهز”.
تشارك إيناس وأخويها والدهم العشاء، مرددين بعض الأناشيد التي تعلمتها إيناس من المدرسة، ثم تقوم هذه الطفلة بتغيير ملابس أخويها مرددة كلمات “تصبحون على خير” أكثر من مرة.
في الصباح يضيف عامر “حصل ما حصل، وودعت طفلتين وطفل”.
ما حدث يوم السبت بالسحاولة في الجزائر العاصمة، يعيد إلى الواجهة مشكلة انعدام أماكن اللعب وترفيه الأطفال، سمير بن جدي أحد القاطنين في المنطقة يرى بأن السبب الرئيسي في حادثة غرق الأطفال الثلاث من عائلة واحدة، انعدام أماكن اللعب والترفيه.
ويقول سمير لـ “Tiny Hand” إن “يعيش في السحاولة أكثر من 150 ألف مواطن، 40 بالمائة منهم أطفال، وهنا لا يوجد أماكن مخصصة للعب، وحتى الأرجوحات وبعض أماكن التزحلق معطلة ولا تعمل”.
وقد تقدّم الأهالي بمطالب لتخصيص أماكن لأطفالهم، ولكن كما يوضح عبد الصمد سيرج لـ” Tiny Hand” “كل ما تلقيناه كان وعوداً فقط. ولا حياة لمن تنادي”.
ويضيف “ذلك سيكون سبباً في تكرار مأساة الغرق، ففي الصيف مثلاً كل البرك والأودية والنافورات وحتى السدود تعج بالأطفال المغامرين الذين وجدوا الفضاء خال من أماكن التسلية والترفيه”.
يعيش في الجزائر 16 مليون طفل، بحسب إحصائيات عام 2016، وهو عدد يمثل 40٪ من إجمالي سكان في الجزائر والذي وصل في إحصائيات نفس السنة 40.4 مليون مواطن.
ووفق مفتش التربية والتعليم في الجزائر جمال رادي، فان هذه الأرقام تؤكد بأن الأطفال ما دون ال15 عاما هم الفئة الغالبة في الجزائر، وهي الفئة التي تتطلب الرعاية التعليمية، الصحية وحتى الترفيهية.
ولم يخف محدث Tiny hand الخلل الحاصل في توزيع وانجاز أماكن التسلية ولعب الأطفال عبر الأحياء السكنية، اذ نجد كما يقول “أحياء سكنية بتعداد سكاني كبيرة خالية من أماكن الترفيه، في وقت نجد أحياء اخرى بعمارة او عمارتين وتتوفر على تلك الهياكل” .
وحتى المؤسسات التربوية يضيف “الغالبية منها تخلو من مساحات اللعب والتسلية، خاصة في مرحلتي التحضيري و الابتدائي، التي تتطلب لعب الأطفال، ونجد أن تلك المؤسسات تتوفر على ساحة صغيرة تبرمج فيها حصص التربية البدنية على العموم”.
ويذكر المستشار بعض مواصفات مساحات اللعب والتي يجب “أن تكون قريبة من التجمعات السكنية، وأن يكون وصول الأطفال إليها مشياً أو على الدراجات بعيدا عن طرق المركبات الكبيرة، وأن تكون مساحتها قادرةً على استيعاب”.
الألعاب في رأي المستشار يجب أن تبتعد “عن استعمال الكهرباء والحديد، وأن تتوفر على الصرف الصحي وبعض الأكشاك الضامنة لخدمات يحتاجها الأطفال ومرافقوهم، كما يفترض أن نجد هذه المساحات في الأحياء السكنية والمؤسسات التربوية والمستشفيات”.
في الوقت الذي يحمّل بعض سكان المنطقة مسؤولية ما حصل للدولة، فإن المحامي عبد المجيد زيري لديه وجهة نظر مختلفة محمّلاً الفلاح الذي لم يقم بتسييج البركة المسؤولية.
يقول زيري لـ”Tiny Hand” إن “القوانين الجزائرية تحتم على أصحاب المستثمرات والمزارع والفلاحين توفير الحماية لكل المجمعات المائية مثل المستنقعات والبرك والآبار، ولكن الكثير من الفلاحين لا يعملون بتلك القوانين”.
لا يكاد يمر شهر تقريباً في الجزائر، إلا وسجلت فيه مصالح الحماية المدنية حوادث غرق الأطفال في البرك المائية أو الوديان، خاصة خلال فترة الصيف.
ففي شهر مايو.2020 سجلت منطقة بوجلال بولاية بومرداس شرق الجزائر غرق 4 أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 3 و7 سنوات، وذلك في بركة فلاحية في إحدى مزارع المنطقة.
وفي شهر مارس من نفس السنة تمكن عناصر الحماية المدنية لولاية أم البواقي شرق الجزائر من انتشال جثة طفل في السابعة من عمره، توفي غرقاً بقرية البدايدية عين البرج بلدية العامرية دائرة سيقوس .
وفي شهر مارس/آذار 2018، بولاية برج بوعريريج، والتي سجلت هلاك 3 أطفال ما دون الثامنة من عمرهم، توفوا غرقا في حوض مائي يستعمل في السقاية.